فخورون بثورتنــا .. لكننــا نريــد أن نعيــش
جميع أبناء الاستقلال الذين التقت بهم النصر، يؤكدون فرحتهم بالذكرى الخمسينية و يفتخرون بوطنهم و يتمنون أن يعدل مساره الاقتصادي و السياسي و يهتم أكثر بالعلوم و التكنولوجيا لتحقيق التطور المنشود و يتأسفون لأن المقررات الدراسية لا تقدم لهم ما يكفي من المعلومات و الحقائق حول أعظم ثورة في العالم و رموزها... حتى الأفلام الثورية قليلة جدا ومناسباتية و أجمعوا على ضرورة استعادة الذاكرة و تفاعل الأجيال في وقفة للذكرى و العبرة، داعين إلى الاهتمام باحتياجاتهم و مراعاة حقوقهم في الشغل و السكن و العيش الكريم...
و تحطيم قيود البيروقراطية و المحسوبية التي تعرقل طموحاتهم.
صراحة لا أشعر بأننا نتمتع بالاستقلال بنسبة مائة بالمائة رغم مرور 50 عاما على 5 جويلية 1962، فنحن لازلنا نتحدث بالفرنسية و العديد من الإدارات و الشركات الوطنية تستعمل هذه اللغة بشكل يومي و موظفيها و غيرهم يتباهون بذلك. أنا أعمل حاليا في شركة جزائرية فرنسية مشتركة لوضع السكك الحديدية الخاصة بالترامواي و أجد نفسي مضطرا لاستعمال الفرنسية في حديثي مع المسؤولين الفرنسيين عن هذه الورشة لأنهم لا يتحدثون لغتنا و كأن استعمالها شرط للعمل معهم. مستواي الدراسي (الثانية ثانوي)يمكنني من فهم تعليماتهم و توجيهاتهم في العمل و الرد عليهم لكنني أتحسر لأنني أشعر باستمرار أن فرنسا لا تزال معنا هاهنا و لم نتحرر منها بعد.جميل أن نتعلم اللغات الأجنبية، لكن الأجمل أن نتحدث بلغتنا الأم و نستعملها في كل مكان ومع كل الناس...هذا هو مفهومي للاستقلال.
الجزائر بدأت في التقهقر و التدهور منذ رحيل الرئيس الأسبق هواري بومدين الذي جعلها تعيش أروع مرحلة في مسارها بعد الاستقلال و جعلها تتطور في كافة المجالات و تحظى بمكانة مهيبة و قوية على الصعيد الدولي.تلك الحقبة ذهبت للأسف دون رجعة .لا أقول أن الجزائر أفلست بعد أن فقدنا "موسطاش"،لكن مستقبلها يكتنفه الغموض.صحيح أن الرئيس بوتفليقة يساعد"الزوالية"و قام بأشياء جيدة للبلاد لكنه لم يتمكن من تحقيق انجازات بحجم التي جسدها قبله بومدين...إننا نرى دراهم البلاد تذهب هنا و هناك،و لا نرى مشاريع ضخمة تنجز في آجالها المحددة أو مصانع كبرى توفر مناصب عمل لشبابنا البطال الضائع فكيف نتحدث عن التقدم في خمسينية الاستقلال و لا أحد يدفع البلاد إليه؟.
خمسينية الاستقلال من الضروري أن تكون في مستوى الحدث فنحن بحاجة لتثمين ما تحقق من انجازات و تأكيد بأن الثورة مستمرة...أقصد ثورة البناء و التشييد بالرغم من حدوث انكسار في العشرية السوداء.من الضروري الاحتفال بهذه المناسبة لنؤكد للأجيال الجديدة بأن الاستقلال لم يأت بسهولة بل ضحت منه أجيال و أجيال عبر 130 عاما من خلال المقاومات المختلفة و الثورات الشعبية و أحداث ماي 1945 إلى أن اندلعت الثورة التحريرية المسلحة في الفاتح من نوفمبر 1954بشكل قوي، وهي ثمرة تحضيرات متعاقبة و إن كانت ليست مسطرة بدقة وفق استراتيجية محددة .
حلمي كجزائري ولد بعد الاستقلال مثل حلم الرئيس بومدين وهو أن أرى الجزائر كوردة متفتحة في العالم و أن تتخطى التخلف و تسترجع"بريستيج" السنوات الأولى من الاستقلال بدءا بمكانتها الرائدة بين الشعوب و قوتها الديبلوماسية و استشارتها كدولة محورية في افريقيا و دولة عربية و تعاطفها مع الشعوب المضطهدة.
يكفي أن نذكر مليون ونصف مليون شهيد فهذا بحد ذاته رأسمال كل جزائري و دافع قوي للمساهمة في بناء وطن موحد و مستقر يوفر العمل و العيش الكريم وتكافؤ الفرص للجميع و كذا حرية تعبير مسؤولة و عدم الانسياق وراء كل ما من شأنه أن يمس بثوابت و مبادىء منصوص عليها دستوريا و هي الاسلام واللغة و الوطن.
نعم أصبحنا ملزمين بتجسيد وطن كما حلم به المجاهدون و الشهداء و يحلم به شباب القرن ال21 وفق التطور الحاصل في التكنولوجيا و باقي العلوم دون الانسلاخ من مقومات ديننا و تقاليدنا الراقية. نحن شعب مميز يحافظ على هذا التميزكما تمكننا من صنعه ذات نوفمبر وكما يصنعه اليوم علماؤنا و كافة إطاراتنا و مواهبنا الرياضية و الفنية هنا و في الخارج.فالجزائري يمكن أن ينجح في كل مكان و كل مجال."
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي