الإصغاء الإيجابي الفعّال
نهدف من خلال هذه المقالة اطلاع المهتمين على أهمية الإصغاء وكيفية ممارسته والتعرف على مهارات الإصغاء لنعمل على تطويرها. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف لا بد من التعرف على التعريفات اللغوية، للاستماع، والإنصات، والإصغاء، فالاستماع هو إدراك ما يقولـه المتحدث بحاسة السمع، وهي الأذن أما الإنصات فهو السكوت للاستماع للمتحدث، وورد في سورة الأعراف الآية 7 "وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتو".
ويلاحظ أن الإنصات يتطلب من المنصت أكثر تركيزاً على ما يقال، حيث أن الفرد يمكنه الاستماع لأكثر من متحدث، ويمكنه الاستماع وهو يتحدث أو شارد الذهن، أو أن يكون فكره مشغولاً بأمور غير تلك التي يسمعها. ويشترك الاستماع والإنصات بإمكانية تحقيقهما دون مشاهدة المتحدث. فيمكن أن نستمع إلى الراديو، وننصت له أو أن نستمع إلى متحدث في غرفة مجاورة.
أما الإصغاء فهو الاستماع (للمتحدث) وله، أي استمع له وإليه، فالاستماع له بحاسة الأذن، أما الاستماع إليه فهو في حاسة العين لأن اللعين تنقل للمصغي التعبيرات التي يرغب المتحدث بالإدلاء بها عن طريق حركاته التعبيرية، بالوجه أو الأطراف الخ….
من خلال التعريفات اللغوية السابقة يمكن استخلاص التعريف التالي للإصغاء: أنه التوجه نحو الآخرين ونحو ما يحاولون التعبير عنه، ويبدأ بتفهم الإطار العام لما يدلي به المتحدث وما يتضمنه هذا الإطار داخلياً، وإرسال استجابات بناءة من المصغي تساعد المتحدث على التعبير عن أفكاره ومشاعره وأحاسيسه، مع التركيز على الاستماع لكل شيء يقال وليس إلى ما تريد أن تسمعه فقط.
أهمية الإصغاء، الإصغاء جزء هام من الاتصالات الإنسانية الفعالة، وهو مهارة هامة لتحقيق اتصال جيد، ومعرفة قدرات الآخرين، والتخفيف من غضب المتحدثين، ورفع معنوياتهم، والتعرف على الحقائق الهامة من خلال الاستماع إلى حديث طويل. فعلى صعيد الاتصال لا يمكن تحقيق اتصال جيد إلا بالإصغاء الجيد، حيث أن الاتصال هو الطريقة التي يتم بها تبادل الأفكار والمعاني والأحاسيس والمشاعر، أو إرسالها، لذلك لا يمكن تحقيق اتصال جيد بدون إصغاء جيد. والمدير يحتاج عند التخطيط واتخاذ القرارات إلى معرفة آراء وأفكار ومشاعر العاملين معه ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالإصغاء الجيد. إن التحقيق من غضب الآخرين، مرؤوسين أو مواطنين، أو أبناء أو آباء، يبدأ بالإصغاء إليهم، وإشعارهم بأن ما يدلون به هو موضع اهتمام المصغي، لا يمكننا التوصل إلى تفاهمات، أو أمور مشتركة، إذا كان أحد الأطراف في حالة غضب.
إن التعرف على الحقائق والمعلومات المهمة أثناء سرد قصص من الآخرين علينا، يتطلب تمحيص هذه الأحاديث لنتبين المهم منها، والحقيقي، وهذا يتطلب مقدرة على الإصغاء ثم التفاعل عن طريق طرح الأسئلة.
مهارات الإصغاء الإيجابي
للإصغاء أربعة مهارات هامة هي: إعادة الصياغة والتلخيص والاستجابة للحركات التعبيرية والاستجابة للمشاعر. المهارات الأربعة يمكن تعلمها وجعلها جزءاً من سلوك الفرد.
إعادة الصياغة: وهي إعادة ما قاله المتحدث بأسلوب المصغي، وتهدف إلى إظهار مفهوم المصغي لما أدلى به المتحدث من كلمات وجمل، والتأكد من سلامة وصحة هذا المفهوم، مثال ذلك لقد فهمت من أقوالك الخ…، هل كان قصدك أن تقول الخ…هل ما فهمته من أقوالك صحيح.
التلخيص: وهي إعادة النقاط الرئيسية التي ذكرها المتحدث لأخذ الموافقة عليها، ويستخدم التلخيص في بداية الحوار لاستعراض ما تم في حوارات سابقة، أو في نهاية كل جزء من الجلسة أو آخرها.
ومثال ذلك، أريد أن ألخص الخ… دعنا نتعاون لتلخيص ما تم الحديث عنه الخ….
الاستجابة للحركات التعبيرية: الحركات التعبيرية هي تلك الحركات التي تبدو على وجه المتحدث أو جسمه، وكيف تستجيب لها، إن الاستجابة لها تعطي المتحدث انطباعاً هاماً بأن المصغي مهتم ومتفاعل مع المتحدث.
الاستجابة للمشاعر: الاستجابة للمشاعر هي أحد أساليب إظهار التفهم والتفاعل مع المتحدث، إن الحديث عن الموت أو مآسي معينة يتطلب من المصغي إظهار مشاعر المواساة للمتحدث ...الخ.
إرشادات حول الإصغاء الإيجابي
1. إنسى كل ما يُمكن أن تُفكر فيه، وركز ذهنك فيما تسمع وترى.
2. لا تنشغل بهمومك الشخصية عن محدثك وتسرح بذهنك بعيداً عن الموضوع الذي يتحدث فيه، ولا تجعل مشاعرك الشخصية تقف عائقاً في طريق الإستماع الكامل لمحدثك والنظر إليه.
3. تحاش هز الرجلين أو النقر أو الطرقعة بالأصابع أو ضبط ملابسك أو شعرك وأنت تصغي إلى شخص آخر، فذلك غير مقبول ويُسيء إلى كبرياء محدثك.
4. إنسى كل ما يُلهيك عن محدثك، مثل ظروف الغرفة التي تجلس فيها معه، أو ديكورها، أو موعدك، أو التلفون الذي يرن، وأظهر إصغاءك الكامل بالنظر مباشرة إلى محدثك، أو بإيماءة مشجعة من رأسك، أو بإشارة من يدك، أو بكلمة تحثه على متابعة الحديث.
5. يُمكنك أن تساعد المتحدث إليك على الإنطلاق في الكلام بإبدائك مُلاحظات قصيرة، أو بأن تطرح بعض الأسئلة التي تؤكد أنك مصغ إلى ما يقول، ومن هذه الملاحظات كلمات مثل: فعلاً، حقاً، مدهش، تحمست لإفكارك، أتفق مع رأيك ...الخ.
6. لا تنسى أن طريقة جلوسك، تحدد ما إذا كنت منتبهاً ومهتماً، وتدل على مدى إهتمامك بما تسمع وبمن تستمع إليه.
7. عندما تكون وسط مجموعة ولك حق الدور في الحديث، لا تُصر على التمسك بدورك، بل أفسح المجال في بعض الأحيان لغيرك بحسب ظروف الحوار.
8. لا تقاطع محدثك ولا تتسرع بإبداء الرأي أو النصيحة الفورية قبل أن ينتهي من حديثه، وأشعر محدثك بالحب والأمان والإحترام.
9. تذكر دائماً أنك لا تصغي لكلمات محدثك فقط وإنما تنصت كذلك لأفكاره ومشاعره، وأحاسيسه، فأسمع حديثه بعينيك وقلبك فضلاً عن أذنيك.
والخلاصة:
الإصغاء مهارة هامة جداً للأفراد والجماعات، حيث أنها إحدى المهارات القيادية والإدارية والسلوكية والحياتية. وقد أولاها القرآن الكريم إهتماماً خاصاً حيث وردت كلمة سمع ومرادفاتها 204 مرات في القرآن الكريم.
أما المثل الشعبي (العينين مغاريف الكلام) هو خير تفسير للإصغاء، والعينين هما حواس الإنسان التي بهما يتعرف على العالم المحيط به، والملاحظة المدركة بالعين هي الينبوع الأساسي للعلم والمعرفة، والإصغاء هو عملية جمع ما بين السمع والبصر لاستيعاب وفهم وإدراك ووعي ما يُدلي به المتحدث.
* مستشار وزارة الحكم المحلي للتنمية الإدارية
* رئيس مركز الشهيدة نبيلة برير للتنمية البشرية والتدريب الإداري