~ " حرر نفسك من عقلك "~لقد ذكر المؤلف في الجزء السابق عبارة " مراقبة المفكّر " ، فماذا كان يقصد بهذه العبارة يا ترى ؟؟ دعونا نستمع لإجابة هذا السؤال بالتفصيل من المؤلف نفسه ..
يقول المؤلف : عندما يذهب أحدهم إلى الطبيب ، ويقول له : " أنا أسمع أصواتاً داخل رأسي " ، فأغلب الظن أن هذا الطبيب سيرسله إلى طبيب نفسي . وفي الواقع ، إفتراضياً وبطريقة مشابهة جداً ، فالجميع يسمعون صوت أو عدة أصوات داخل رؤوسهم أغلب الوقت .وهي التفكير اللاإرداي والذي لا تستوعب أنك تملك القدرة على إيقافه .
بالتأكيد أنك قد مررت بأناس مجانين يكلمون أنفسهم . حسناً هذا لا يختلف كثيراً عن ما تفعله أنت ويفعله أغلب الناس الطبيعيين ، باستثناء أنك لا تفعله بصوت مرتفع . وهذا الصوت يعلق ويناظر ويحكم ويقارن ويتشكى ، يحب ويكره وما إلى ذلك . وأيضاً هذا الصوت ليس بالضرورة أن يكون متعلق بالموقف الذي تجد نفسك فيه ، فقد يقوم بإعادة إحياء الماضي القريب أو البعيد ، أو يتصور ويتخيل المواقف المستقبلية ، وغالباً ماتكون هذه الأمور التي يتخليها تحدث بصورة سيئة ولها نتائج سلبية وهذا ما يسمى : بالقلق . وفي بعض الأحيان يصاحب هذه الأصوات صور خيالية أو ماقد يسمى بالأفلام العقلية .
وحتى لو كان هذا الصوت الذي تسمعه متعلق بموقف في الحاضر ، فإنه سيتخلله مصطلحات وأحداث من الماضي ، لأن ذلك الصوت يعود لعقلك المبرمج نتيجة لكل تاريخك الماضي بالإضافة إلى ماورثته من ثقافتك التي نشأت عليها . فبالتالي أنت ترى وتحكم على الحاضر بأعين الماضي وتحصل على منظر له مشوه تماماً . ويعتبر ذلك الصوت في الغالب هو عدو الشخص الحقيقي . وأغلب الناس يعيشون مع معذب لهم داخل روؤسهم ، يهاجمهم ويعذبهم باستمرار ويسلبهم الكثير من الطاقة الحيوية . وذلك هو سبب البؤس والتعاسة التي لاحصر لها ، بالإضافة إلى المرض .
الخبر الجيد هنا ، هو انك تستطيع تحرير نفسك من عقلك . وهذا فقط هو الخلاص الحقيقي . بإمكانك أن تخطو خطوتك الأولى الآن . أبدأ بالاستماع للأصوات التي داخل رأسك متى ما استطعت ، ركز انتباه خاص لأي أنماط متكررة من التفكير . تلك هي مسجلات الصوت التي تعمل داخل رأسك لعدد من السنين ، ذلك ماقصدته " براقب المفكّر ". والذي بطريقة آخرى يعني : " استمع للصوت داخل رأسك ، وكن هناك كالحضور المراقب ".
اذا استمعت للصوت فاستمع بحيادية ، لاتحكم ولا تستنكر ما تسمعه ، واذا فعلت ذلك فهذا يعني أن الصوت نفسه قد عاد مرة آخرى من الباب الخلفي . وقريباً ستدرك : أن هناك صوتاً ، وها أنا ذا استمع إليه وأراقبه . "ها أنا ذا " تعني إدراك الإحساس بحضورك ، وهذه ليست فكرة ، إنها تنبع من مكان أسمى من العقل
عندما تستمع لفكرة ، فأنت تكون مدركٌ ليس فقط للفكرة بل أيضاً لنفسك كشاهد على الفكرة . فقد ظهر الآن بُعد جديد للوعي ، وبينما أنت تستمع للفكرة ، فأنت تشعر بحضور الوعي – نفسك الأعمق – خلف أو تحت الفكرة . عندها تفقد الفكرة قوّتها عليك وتبدأ سريعاً بالتلاشي ، لأنك لم تعد تشحن عقلك من خلال جعله هويتك . وهذه هي نهاية التفكير الإلزامي واللاإرادي .
عندما تتلاشى الفكرة ، تبدأ بملاحظة إنقطاع في الجريان العقلي –فاصل "بلاعقل". في البداية يكون هذا الفاصل قصير جداً حوالي ثواني معدودة ، لكنه يصبح أطول تدريجياً . عندما يأتي هذا الفاصل تحس بنوع من الإنسجام والسلام الداخلي ، هذه هي بداية الحالة الطبيعية للشعور بالوحدة مع الوجود ، التي عادةً ماتكون محجوبة بواسطة العقل . ومع التمرين ، سيزداد الإحساس بالإنسجام والسلام في العمق . وفي الحقيقة ليس هناك نهاية لعمقه . وأيضاً ستبدأ بالشعور بإنبعاث المتعة من الداخل : متعة الوجود .
وهذه الحالة ليست غيبوبة . ليست هي مطلقاً ، لا وجود لفقدان الوعي هنا ، بل العكس تماماً . اذا كان إنخفاض الوعي هو المقابل الذي تدفعه للسلام ، واذا كان فقدان الحيوية والنشاط هو سعر الإنسجام الداخلي ، فهي لا تستحق أبداً الحصول عليها . لكن في هذه الحالة من الاتصال ، أنت أكثر نشاطاً واستيقاظاً ، من الحالة التي كان يسيطر فيها عقلك . أنت حاضر بكاملك . أيضاً هذه الحالة تقوم بزيادة تردد حقل الطاقة الذي يعطي الحياة للجسد .
ومع غوصك أكثر في هذه المجال الخالي من العقل ، ستدرك مرحلة من الوعي الخالص . وفي تلك المرحلة ستشتعر حضورك بكثافة ومتعة لا تقارن البتة أمام تفكيرك ومشاعرك وجسدك . ومع ذلك فهذه الحالة ليست " أنانية " بل العكس تماماً . ذلك الحضور أساساً هو أنت ولكنه في نفس الوقت أعظم منك أنت .
بدلاً من " مراقبة المفكّر " تستطيع أنت وببساطة أن تخلق فاصل في الجريان العقلي عن طريق توجيه تركيز إنتباهك إلى الآن . فقط كن وبكثافة ، واعياً للحظة الحاضرة . وبهذه الطريقة أنت تأخذ الوعي بعيداً عن النشاط العقلي ، وتخلق فاصل من اللاعقل ، حيث تكون فيه مدرك ومستيقظ ولكن بلا أفكار ، وهذا هو جوهر التأمل .
تستطيع التمرن على هذا في حياتك اليومية ، بأخذ أي نشاط روتيني تقوم به وإعطاءه إنتباهك بالكامل . مثلاً : كل يوم تستيقظ وتنزل الدرج في منزلك أو في مكان عملك ، أعط إنتباه خاص لكل خطوة ، لكل لحظة ، حتى لتنفسك . كن حاضراً تماماً . أو عندما تغسل يديك ، أعط إنتباهاً لكل حواسك وأنت تقوم بذلك ، صوت الماء وإحساسك به ، حركة يديك ، رائحة الصابون ، وما إلى ذلك . أو عندما تركب سيارتك ، وبعد أن تغلق الباب ، توقف لثواني وراقب إنسياب تنفسك . كن مدركاً لسكون وقوة الحضور . وهناك نظرية معينة تستطيع من خلالها قياس نجاحك في هذا التمرين وهي : درجة السلام الذي تشعر به في داخلك .
وأخيراً ، الخطوة الوحيدة والأساسية في رحلتك باتجاه الإستنارة الروحية هي : تعلم عدم التقيد بالعقل . وكل مرة تقوم فيها بخلق فاصل في الجريان العقلي ، كلما كبر نور وعيك وأصبح قوياً .
ويوماً ما ستجد نفسك تبتسم على الصوت الذي بداخل رأسك ، كما لو كنت تبتسم على طرائف الأطفال . وذلك يعني أنك لم تعد تأخذ محتويات عقلك بجدية ، لأن إحساسك بنفسك لم يعد يعتمد عليه .
***
أتمنى يا أصدقائي أن يكون قد أعجبكم هذا الجزء ، كما أتمنى لكم تحقيق الفائدة العظيمة بعد تطبيق ما قد ذكر فيه .
والآن وبعد أن تعلمنا كيف نوقف أفكارنا ،ألا يعتبر التفكير ضروري لبقاءنا على قيد الحياة ؟؟
لننتظر الجزء القادم ، ونرى كيف أجاب المعلّم Ekcart Tolle على هذا السؤال !
في الجزء السابق ، كنا قد سألنا المعلّم Eckart هذا السؤال :
أليس التفكير ضروري لاستمرار حياتنا في هذا العالم ؟ ويقول المعلّم جواباً على هذا السؤال :
عقلك عبارة عن آلة ، أو أداة موجودة لتستخدم في مهمة معيّنة ، وعندما تنتهي هذه المهمة ، فإنك تضعه جانباً . وأستطيع القول بأن حوالي 80 إلى 90 بالمئة من أغلب تفكير الناس ليس فقط مكرر وبلافائدة ، بل أيضاً وبسبب طبيعته السلبية والمثبّطة فإن أغلبه أيضاً مؤذي . راقب عقلك وستجد أن ذلك صحيح . وهذا يسبب تسرّب خطير في الطاقة الحيوية.
هذا النوع من التفكير الإلزامي هو في الحقيقة إدمان . وماهي خصائص الإدمان ؟ ببساطة هي : أنك لم تعد تشعر بأنك تملك الخيار في التوقف ، إنه يبدو أقوى منك ، ويعطيك أيضاً إحساس بالسعادة ، السعادة التي تتحول دائماً إلى ألم .
ماللذي يجعلنا مدمنين على التفكير ؟
ذلك لأنك جعلته هويتك ، بمعنى أنك تكتسب أحساسك بنفسك من محتويات وأنشطة عقلك . لأنك تعتقد بأنك قد تتوقف عن العيش اذا أوقفت التفكير . وبينما أنت تنمو ، أنت تكوّن صورة عقلية عن نفسك ، مبنيّة على الأوضاع الشخصية والإجتماعية . ونستطيع أن نطلق على هذه النفس الوهمية ( الإيقو ، EGO ) وتتألف من أنشطة العقل ، وتواصل الإستمرار فقط من خلال التفكير المستمر . مصطلح ( الإيقو ، EGO ) قد يعني أشياء مختلفة بالنسبة لبعض الأشخاص ، لكن عندما أستخدمه أنا هنا فأنا أعني النفس الخاطئة ، الناشئة وبلا وعي بفعل جعل العقل هو الهوية .
بالنسبة ( للإيقو ، EGO ) بالكاد توجد عندها لحظة الحاضر . فقط الماضي والمستقبل هو مايعتبر ذا أهمية . هذا الإنعكاس الكامل للحقيقة يحسب لواقع أن وضع ( الإيقو ، EGO ) يجعل العقل مؤذي . هي دائماً ما تُعنى بجعل الماضي على قيد الحياة ، لأنه وبدونه ، من هو أنت ؟ وباستمرار تحاول أن ترى نفسها في المستقبل لتضمن بقاء إستمرارها ولتبحث عن بعضٍ من الراحة والطمأنينة هناك . وتقول " في يومٍ ما ، عندما يحصل هذا ، أو ذلك ، فسوف أكون بخير وسعيد وفي سلام " . حتى لو بدا أن ( الإيقو ، EGO ) تهتم بالحاضر ، فذلك الذي تراه ليس بالحاضر : إنها تشوّه ملاحظته بالكامل لأنها تنظر إليه بأعين الماضي . أو إنها تقلل من الحاضر إلى أن يعني النهاية ، النهاية التي دائماً ما تقع في المستقبل المرئي بواسطة العقل . راقب عقلك وستجد أن هذه الطريقة التي يعمل بها .
سيادة العقل هي ليست إلا مرحلة من تطور الوعي . ونحن نحتاج الآن - وبغرض الضرورة - أن نرتقي للمرحلة التالية . وإن لم نفعل ، سيدمرنا العقل ، الذي بدأ في التحول إلى وحش . التفكير والوعي ليست كلمتين مترادفتين . التفكير عبارة عن جزء بسيط جداً من الوعي . والتفكير لا يمكن أن يوجد بلا وعي ، لكنّ الوعي ليس بحاجة إلى التفكير .
الإستنارة الروحية تعني السمو فوق الفكرة ، وليس الرجوع لمستوى أقل من الفكرة ، لمستوى الحيوانات أو النبات . في حالة الإستنارة الروحية ، ستظل تستخدم تفكيرك العقلي حينما تحتاج إليه ، لكن بشكل مركّز وفعّال أكثر من ذي قبل . ستستخدمه في الغالب في أغراض تطبيقية ، لكن ستكون حراً من الحوار الداخلي اللاإرادي ، وسيكون هناك إطمئنان داخلي . وعندما تستخدم عقلك في الحاجة لإيجاد حل خلّاق ، فأنت تتذبذب خلال دقائق معدودة بين الفكرة والإطمئنان ، بين العقل واللاعقل . واللاعقل يعني الوعي بلا أفكار . وبتلك الطريقة فقط يمكن التفكير بطريقة خلّاقة ، لأنه فقط وبتلك الطريقة تمتلك الفكرة القوة الحقيقية . الأفكار لوحدها ، عندما لا تعود متصلة بالمجال الفسيح للوعي ، فسرعان ما تصبح عديمة الجدوى ، مجنونة ومدمرة .
العقل آلة أساسية للعيش . تهاجم وتدافع ضد العقول الآخرى ، وتخزن وتحلل المعلومات ، وهذا هو ما يجيده ، لكنه بالكليّة ليس بإبداعي . جميع الفنانين الحقيقيين ، سواء أدركوا ذلك أم لا ، فقد نشأوا من مكان بلاعقل ، من الإطمئنان الداخلي . بعدها يقوم العقل بإعطاء إشارات إبداعية أو استبصار . حتى العلماء العظماء قد ذكروا أن إنجازاتهم الإبداعية أتت في وقت من الإطمئنان العقلي . والنتيجة المفاجئة لاستبيان شامل لأشهر علماء الرياضيات بمن فيهم انشتاين ، لإستنتاج طرق عملهم : كانت أن التفكير يلعب فقط دور فرعي من المرحلة القصيرة في أتخاذ القرار الحاسم من العمل الإبداعي نفسه .وانا أقول هنا أن السبب البسيط وراء عدم كون غالبية العلماء إبداعيين ، هو ليس أنهم لا يعرفون كيف يفكرون لكن بسبب أنهم لا يعرفون كيف يوقفون تفكيرهم .
المعجزة التي تعيش على الأرض أو بداخل جسدك لم تنشأ من خلال عقلك أو من خلال تفكيرك . هناك ذكاء واضح في العمل أعظم بكثير من العقل . كيف تستطيع خلية واحدة بشرية تزن حوالي 1000/1 من الإنش أن تحتوي على معلومات بداخل حمضها النووي ( DNA ) قادرة على ملء 1000 كتاب وكل كتاب يحتوي على 600 صفحة ؟ . كل ما تعلمنا أكثر عن كيفية عمل الجسد ، كل ما زاد إدراكنا لسعة الذكاء في عمله وقلة ما نعلم . وعندما يعود العقل للاتصال مع ذلك ، يصبح أداة رائعة جداً . وعندها يخدم شئ أعظم من نفسه .
***
نلاحظ يا أصدقائي منذ بداية الفصل الأول والمؤلف يتحدث فقط عن الأفكار!
ولكن ماذا عن ( المشاعر ) يا معلّم Eckart Tolle ؟؟
كنا قد سألنا في الجزء السابق معلمنا Eckart هذا السؤال :
ماذا عن المشاعر ؟ فأجابنا هنا :
العقل ، حينما أستخدم هذه الكلمة فأنا لا أقصد الأفكار فقط ، بل تشمل المشاعر وأيضاً أنماط التفاعل الشعوري-العقلي اللاواعي . تظهر المشاعر في المنطقة التي يلتقي فيها العقل مع الجسد . إنها تفاعل جسدك تجاه عقلك ، أو تستطيع القول ، بأنها إنعكاس عقلك على جسدك . فمثلاً : فكرة الهجوم أو فكرة الإعتداء ، ستنشئ بناء من الطاقة في الجسد نسمّيها نحن الغضب . ويصبح الجسد مستعداً للقتال . والفكرة التي تجعلك تحس بالرعب ، جسدياً ونفسياً ، فيقوم الجسم بالإنقباض ، هذا هو الجانب الجسدي مما نسمّيه نحن الخوف . لقد أظهرت الدراسات بأن المشاعر القوية تسبب تغيير في الكيمياء الحيوية للجسد . وهذا التغيير في الكيمياء الحيوية يمثّل الجانب الجسدي والمادي من المشاعر . وبالطبع أنت لست دائماً واعي لأنماط أفكارك ، وغالباً لا تستطيع إداركها إلا اذا قمت فقط بمراقبة مشاعرك .
كلما جعلت تفكيرك هو هويتك ، وأحببتَ وكرهتَ وحَكمتَ وأوّلتَ ، أي أصبحت أقل مراقبةً للحاضر ، كلما زدت شحن الطاقة الشعورية ، سواءاً أدركت ذلك أم لا . اذا لم تستطع الإحساس بمشاعرك ، اذا أنقطعتَ عنها ، فستختبرها في النهاية على المستوى الجسدي الخالص ، كعَرَض أو مشكلة . أنماط المشاعر القوية واللاواعية ، قد تتحقق كأحداث خارجية أيضاً تظهر وكأنها تحدث لك فجأة . مثلاً : لقد راقبت أولئك الناس الذين يحملون بداخلهم الكثير من الغضب ، حتى بدون أن يدركوا ذلك أو يعبروا عنه ، فأراهم عُرضةً للهجوم كلامياً أو جسدياً من أناس غاضبين وحتى بدون أي سبب واضح . فقد بعثوا طاقة قوية للغضب مما جعل ناس معينين ينتقونهم وبشكل لاواعي ويوصلونهم إلى غضبهم الكامن .
اذا كنت وبصعوبة تستطيع الإحساس بمشاعرك ، فابدأ بتركيز إنتباهك على حقل الطاقة الداخلي لجسدك . أشعر بجسدك من الداخل . فهذا سيقربك أكثر لملامسة مشاعرك .
اسمح لي يامعلّم Eckart ، ولكن أرجو أن توضح لنا هذه النقطة :
قلت بأن المشاعر هي إنعكاس العقل على الجسد ، ولكن أحياناً يحصل بينهما تعارض ، فيقول العقل :" لا " بينما المشاعر تقول :" نعم " ، أو العكس ؟!
اذا أردت حقيقةً أن تعرف عقلك ، فجسدك دائماً سيعطيك الإنعكاس الصادق ، فانظر إلى مشاعرك أو بدلاً من ذلك أحسسها في جسدك . فاذا كان هناك تعارض واضح بينهما ، فاعلم أن الأفكار هي من تكذب ، والمشاعر هي من تقول الحقيقة . ليست الحقيقة المطلقة بمن هو أنت ، بل حقيقة حالة عقلك في ذلك الوقت .
التعارض بين الأفكار السطحية والعمليات العقلية اللاواعية غالباً ما تحدث . من الممكن أنك لا تقدر بعد على أن تجلب نشاط عقلك اللاواعي إلى الإدارك كأفكار ، ولكنها دائماً ما تنعكس على جسدك كمشاعر ، وهذه أنت قادر على إدراكها . ولمراقبة المشاعر بهذه الطريقة فهي أساساً كالاستماع أو مراقبة فكرة ، كما شرحناها سابقاً . والفرق الوحيد هو أن الأفكار في رأسك ، بينما المشاعر لها تأثير جسدي قوي مما يجعلها تُحسُّ في الجسد . فتستطيع السماح للمشاعر بأن تكون هناك بدون أن تتحكم بك ، أنت لم تعد مشاعرك ، أنت المشاهد ، أنت الحضور المراقب . اذا طبقت هذا ، فكل ذلك اللاوعي بداخلك ، ستحضره معك إلى نور الوعي .
وبالتالي مراقبة المشاعر هي بنفس أهمية مراقبة الأفكار . فاجعلها عادة أن تسأل نفسك ، مالذي يحدث بداخلي في هذه اللحظة ؟ فهذا السؤال سيرشدك للاتجاه الصحيح . ولكن لا تحلل ، فقط راقب . ركز إنتباهك على الداخل . أحس بطاقة المشاعر . واذا لم تكن هناك مشاعر ، فخذ إنتباهك إلى مستوى أعمق من الطاقة الداخلية لجسدك ، فهي الباب المؤدي للوجود .
***
لم ينتهي الكلام عن ( المشاعر ) يا أصدقائي ، ومازال هناك الكثير ليخبرنا عنه معلّمنا Eckart بخصوص المشاعر ، ولكن سنتوقف هنا الآن ، حتى يتسنى لكم القراءة والتطبيق والعودة للأجزاء السابقة وربطها مع بعضها
وسنعود معاً بإذن الله لنكمل حديثنا عن المشاعر في الجزء القادم من قوة الآن ..