إنَّه أبُو البَشريَّة وإمامُ التَّائبين وقُدوة المُستغفرين آدَم عليه السَّلام!
لقَد خَلقَه الله بيَدَيه مِن طين مِن حمأ مسنُون، وأسجد لَه ملائكتَه سُجودَ كرامَة وخِدمَة؛ وأسكَنه جنَّة لا يَجُوع فيها ولا يَعرى! لا يَظمأ فيها ولا يَضحَى! يأكُل مِنها هُو وزَوجُه رَغدا حَيثُ شاءا، إلاَّ أنَّه نَهاهُ عَن الأَكل مِن شَجرَة واحِدة ووَحيدَة اختبارا وامتِحانا!
نَهي حِرمان وتَضييق؟!
كلا! بل أرادَ أن يُفهِمه هُو وذُرِّيتَه مُنذُ البِدايَة أنَّه ما خُلِق إلا ليُمتَحن ويُبتَلى ويَميزَ الله في النِّهايَة الخَبيثَ منَ الطَّيِّب، والمُحسِن مِن المُسيء، ويُثوِّب كُلَّ واحِد جزاءَ عملِه إن خيرا أو شرا! فالدُّنيا دارُ عَمل والآخِرَة دارُ جَزاء!
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}[الأحزاب : 72].
وتُرى لِم نَهاه عَن قربان شَجرة واحِدة؟! ولِم لا تَكون اثنَتان أو ثَلاث؟ أو نَوعا مِن الثِّمار رُبَّما؟!
كذلكَ ليُرسِل لَه ولعقِبِه مِن بعدِه رسالَة واضِحَة فَحواها أنَّ في الحَلال الكَثير غُنيَة عَن الحَرام؛ وأنَّ نسبَة الحَرام الخَبيثِ إلى الحَلالِ الطَّيِّب هيِّنَة وبسيطَة؛ ومَع ذَلِك يُزيِّنُ الشَّيطان ذَلك الحَرام ويُضخِّمُه؛ ويُخيِّلُ للإنسان وكأنَّ الله لَم يُرِد بِه إلا الكَبتَ والحِرمان؛ وأنَّه قَد فاتَه بامتِناعِه وتأبِّيه عَن ذَلكَ الحَرام خَير عَظيم؛ في حينِ أنَّ الخَير كُلَّه فيما شَرعَ الله، والشَّر كُلُّه فيما نهَى الله؛ بُكلِّ المقاييس!
* لَقَد استَعجَبَ المَلائِكة بادئ الأَمر إرادَة الباري عزَّ وجل؛ جَعل مَخلُوق في الأَرض يُفسِد فيها ويَسفِك الدِّماء! كيفَ وهُم يُسبِّحُون بِحمدِه تَعالى ويُقدِّسُون لَه! ثُمَّ إنَّهُم رضُوا بعدَ ذَلك وسَجدُوا لِحكمَة الله وسابِق قضائِه لمَّا علَّم آدَم الأسماء كُلَّها؛ وأدركُوا فضلَه عَليهِم؛ وتعهَّدُوا خالِقَهُم بِخدمَته دُنيا وأُخرَى!
- أمَّا إبليس فلَم يُكن مِن السَّاجِدين عُجبا واستِكبارا؛ وشَمخ بأنفِه على أمر ذي العزَّ والجَلال؛ فكانَ هذا سَببا في طَردِه مِن رحمتِه ولعنَته إلى يَوم يُبعثُون! ثُمَّ إنَّه أعلَنها حربا شَعواء عَلى هذا المَخلُوق الضَّعيف حَسدا وبَغيا؛ وتعهَّد ربَّه أن يأتيَه مِن بين يَديه وَمن خَلفِه حتَّى لا يكُونَ مِن الشَّاكِرين فيَكُون بذَلك قسيمَه في سَواءِ الجَحيم! وهذا طَرفٌ مِن قصَّتِه في سُورة الأَعراف لنتأمَّلها!
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ (18)} الأعراف.
* أمَّا تفصيلُ عالَم المَلائِكة وعالَم الشَّياطين؛ فذَلك مَوضُوع يَطُول؛ وأسأل الله أن نُفرِدَه بَحديث مُستَقل؛ وإنَّما يهمُّنا في هذه الأسطُر مَوضُوع آدَم وتَوبته وكَيفَ غوَى؟ وكيفَ أنابَ إلى ربِّه؟ ثُمَّ نَصيحَة الله تَعالى إلى كُلِّ ذُرِّيته حتَّى لا يَقَع فيما وَقع فيِه أبُوهم. وما كاَنت قِصص القُرآن أحاديثَ تُفتَرى أو أساطير يُتفكَّه بِها في المَجالس؛ بل كُلُّها عِبر وقَوانين تُنيرُ البَصائِر وتُوقظ الضَّمائِر، وتُرشِدُ كُلَّ حائِر؛ وتُعلِم أيَّ ضال إلى أيِّ مصير هُو صائِر قَبل أن تَحيقَ بِه الدَّوائر، ويتلظَّى في نارِ جهنَّم وهُو مذمُومٌ داحِر!
{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف : 111].
* لا يَشتَفي غَليلُ إبليس ولا يبرُدُ سُعارُه حتَّى يَحرِم الإِنسان مِن جنَّتِه التي يتقلَّبُ فيها آمِنا مُطمئنَّا؛ إن جنَّة الدُّنيا أو جنَّة الآخِرة! وعبارَة أُخرى هَدفه الرَّئيس إخراجُ الإنسان مِن النَّعائِم والخَيرات إلى الضُّر والجَحيم؛ ومِن حياة الهَناء إلى حياة الشَّقاء! ولِذا جاءَ أوَّلُ تَحذير لأبينا آدَم "عليه السَّلام" مِن قبَل خالِقه أن اتِّخذ حذرَك واجمَع أمرَك تُجاه هذا الذي يُريدُ أن يُخرِجَك مِن جنَّتِك بُكلِّ ما أوتِي مِن مَكر ودَهاء!
{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)} طه.
- ليسَ آدَم وَحدَه قَد أُكرِم بالجنَّة؛ بل قَد حبانا الله جَميعُنا بجنَّة عَظيمَة وارِفة الظِّلال؛ نستَطيع أن نتنعَّم بخيراتِها ونتفيَّأ نَسائمَها متى صَدقنا في ابتغائِها! إنَّها جنَّة الوَحي التي ذَكرَها الله في مُستَهل سُورة طَه.
{طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى (3) تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى (
} طه.
ما أروَع هذا التَّوافُق وما أحلاه! { فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}. { طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}!!
وهذه الآيَة الجامِعة المانِعة: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} طَه.
- ما حُرِم أبُ البَشريَّة مِن جنَّتِه التي كانَ يتقلَّبُ فيها هُو وزَوجُه إلا لمَّا فتَرت عزيمَتُه في لَحظَة مِن لحظات الضُّعف الإنساني التي تَنتابُ أيَّ واحِدٍ مِنَّا؛ فجَنحَ عَن أمرِ ربِّه وغَوى؛ وكذا يَخرُج الإنسانُ أيًّا كانَ مِن الحَياة الرَّغدة المُطمئنَّة لمَّا يحيدُ عَن الوَحي ويَنأى عَنه على تفاوُت لَدى البَشَر بينَ مُقل ومُكثِر!
{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام : 26].
- جنَّتُنا في وَحي ربِّنا ورسالاتِه؛ والشَّيطان خَبير بِهذا فتراهُ يقعُد كُلَّ مَرصَد حتَّى يُطوِّحَ بالإنسان بَعيدا عَن هذه الجنَّة الرَّبانيَّة الخَضرة النَّضِرَة؛ كَما فَعل بأبينا آدَم لمَّا أخرجَه مِن الجنَّة تَماما ولا فَرق! فتَرى كَثيرا مِن السَّادِرين بَدل أن يهتمُّوا بِهذا ويُؤكِّدُوا عَليه يتساءَلُون تساؤلات عَقيمَة لا جدوَى مِنها عمليَّا! هَل جنَّة آدَم كاَنت في السَّماء أم في الأَرض؟! ما هي الشَّجَرة التي أكَل مِنها آدَم؛ هل كانَت شَجرة مَوز أم تُفَّاح؟! أينَ نَزل أبُونا آدَم بعدَ خُروجِه مِن الجنَّة؟! وَغيرِها مِن الأسئلة التي لا تُقدِّم ولا تُؤخِّر في جَوهَر المَوضُوع شيئا!
- همُّ الشَّيطان الأكبَر أن يُضعِف همَّتَنا للطَّاعَة والاِمتثالِ لأَمر الله بالإكثارِ مِن الوَساوِس التي يأتي بِها اللّعين في ثَوب نَاصِح أمين! فإذا نَسيَ الإنسانُ عهَد ربِّه وذِكرِه، واستِسلَم لتِلك الوَساوِس فتُر عَزمُه وتلاشَت قِواه، ووَقع في حبائل المَعصيَة ولَو مِن غيرِ رضاه!
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه : 115].
ما هُو عَهد الله يا تُرى؟! الجَواب في سُورة يس: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ. وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}.
- مَعركتُنا مَع إبليس وجُنودِه باقيَة ما بَقيت السَّماوات والأرض؛ سلاحُنا فيها ضدَّه غَيبيٌّ مَحض! إنَّه الإكثارُ مِن ذِكر الله والالتِجاءُ الدَّائم إليه لحمايَتنا مِن شرِّ الوَساوِس! أمَّا إن استَحوذَ عَلينا وأنسانا ذِكر الله؛ فبئسَ القَرين هُو ! وبئسَت الحَياة هيَ بعد ذَلك!{ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً} [النساء : 38].
{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة : 19].
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (6)}. النَّاس
- كَثيرٌ مِن الوُعَّاظ للأسَف عِوضَ أن يشتَغلُوا بِعمارَة قُلوبِ النَّاس باللَّه وردِّهم ردًّا جَميلا إليه؛ يتفنّنُون في وَصفِ المعاصي، ورُبَّما حتَّى ذِكر أماكِنِها؛ حتَّى يستَشعِر مَن هُو بعيد عَن مُستَنقعها الآسِن أنَّه مُتخلِّفٌ وأنَّه قابِعٌ في مُؤخِّرَة الرَّكب؛ فالنّاس قَد وصلُوا إلى ما وَصلُوا إليه وهُو غافِل خارِج مَجال التَّغطيَة كَما يُعبّرُ العَوام؛ فتَراه رُبَّما يُفكِّر في العِصيان بعَد أن كانَ بعيدا عَنه! وهذا المَنهَج في الوَعظ ليسَ مِن مَنهَج القُرآن في شَيء! فالقُرآن يُحارِب النِّسيان الذي هُو سَببُ المَعصيَة بالذِّكر الكَثير لله وآلائِه ونِعمه وآياتِه في خَلقِه؛ ولا يذكُر المَعاصي إلا غِبَّا مِن بابِ التَّعريفِ فَحسب!
* إذَن! لقَد تسلَّل اللَّعينُ إلى آدَم وزوجِه على حيَن غَفلَة مِن أمرِهِما وألقَى في قَلبَيْهما وَسوسَته؛ فصادَفَت مَحلا قابِلا فآتَت أُكلها! والوَسوسَة بمُجرَّد أن تُلقِّحَ القَلب تتولَّد المَعصيَة في أقلَّ مِن لَمح البَصر! !
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}. الأَعراف
- عَجيبٌ مَن يقُول أنَّ آدَم عليه السَّلام أوتِيَ مِن قِبل زوجِه؛ وفرَّخَ عَليه زُورا وافتراءً أنَّ أصل الشُّرور المَرأة! والحالُ أنَّ البيَان القُرآني صَريح في أنَّ الشَّيطان استَهدَفهُما مَعا على قَدم سَواء! فلِم الافتِراءُ على الله والتَّقوُّل عَليه؟!
{ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل : 117].
- عدُوُّ الله خَبير بالنَّفس الإِنسانيَّة وأنَّها دائِمة التَّطلُّع إلى الكَمال اللانِهائي في الخَلقِ والوُجود! فأتاهُ مِن هذين البَابَين، واستَطاعَ أن يلُفَّه في مصيدتِه بُكلِّ خُبثٍ ومَكر!
- دَوما يهمسُ في أذن الإنسان أنَّ اقتِرافَك للمَعصيَة الفُلانيَّة سيَزيدُك تَرقِّيا ورُجولَة، وسيُدرُّ عليك أمَوالا، وسيجعَل لكَ وجاهَة في مُجتَمِعك؛ ويُقسِم لَهُ إنَّه لَمن النَّاصِحين! حتَّى يُدلّيه عَن مَقامِه الرُّوحاني العُلوي بِغرُور؛ أي يُنزِلُه مِن مقام المَلائكيَّة الذي أرادَه الله لَه وحثَّه عَليه إلى أدنَى مِن مَقام البَهيميَّة! هذه هيَ خُطَّة الشَّيطان السَّرمديَّةِ التي يُجلِب عَلينا بِخيلِه ورَجلِه مِن أجل تنفيذِها وتَحقيقِ حُلمِه الأَكبَر؛ بِأن يُجاوِره أكبَر عَددٍ مُمكِن مِن أبناءِ آدَم في جهنَّم والعياذُ بالله!
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر : 39- 40].
- هُو أدرَى مِن كَثير مِن البَشر التَّائهين الشَّارِدين أنَّ الوِقايَة الوَحيدَة لَلإنسان مِن عذابِ الدُّنيا وعذابِ الآخِرَة إنَّما هيَ في امتِثالِ أوامِر الله عزَّ وجل بالتَّمام والكَمال! فتَراه لِهذا يَجتَهد بُكلِّ مَا أُوتِيَ كَي يُوقِع الإنسان في العِصيان حتَّى يَحيقَ بِه الخُذلان؛ ويُحرَم مِن نَعيم الجِنان، ولا يكُونُ لَه مِن الله مِن وليٍّ ولا واق!! وقَد نَجحَ في هذا أيَّما نَجاح بِشهادَة القُرآن!
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ : 20].
- الحِكمَة البالِغَة مِن نَزع لباسِ آدَم هيَ أن يُريَه خالِقَه شُؤمَ المَعصيَة ونذَالَة الإباقِ عَن طاعَة الله سُبحانَه وتَعالى؛ فانكِشاف السَّوأة يسُوءُ الإنسانَ فِطرَة وجبلَّة لا يشُذُّ عَن هذا إلاَّ مَن تجرَّد عَن إنسانيَّتِه وتدنَّى إلى دَركات الحَيوانيَّة!