الجزائر، مشهد المحروقات
وكما شكلت الجزائر ساحة خصبة للتنافس بين الشركات النفطية العالمية بعد الاستقلال لافتكاك ما أمكن افتكاكه من الصفقات، تنافس أدى في حالات كثيرة الى تجاوز قانون الصفقات العمومية والى الممارسات الفاسدة، يخشى أن تستمر كذلك على محور الطاقات النظيفة، خاصة مع تقارب المستوى التكنولوجي بين كل من ألمانيا وفرنسا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، حيث يصعب التمييز بين أداء الشركات على قاعدة "المزايا الفنية". وقد بدأ فعلا التفكير بمعايير "الولاء" بين صانعي القرار بين موالين للشركات الفرنسية وبالتالي متحفّظين على أي مشروع لا يخدم طموحات "باريس" التجارية، وموالين لسوق متعددة الأقطاب منفتحة على أكثر من شريك، والحصيلة موجات التردد وتبدل المواقف بتبدل مواقع المقررين أنفسهم.
ويمكننا اختصار مشهد المحروقات في برنامج استغلال الطاقة بالجزائر على خارطة التنافس الدولي في معادلة "التقسيم الدولي للعمل"، حيث استنفدت الاحتياطات بنسبة 99 بالمائة خلال فترتي الاحتلال وما مضى من الاستقلال وحققت دول الاتحاد الأوربي أعلى منفعة يمكن أن تحققها جراء السعر المنخفض للمتر المكعب الواحد من الغاز، واستمرار تدفق النفط بكميات اقتصادية مربحة للطرف الأوربي من الحقول الجزائرية، في حين لم تحقق الجزائر أي قدر من الاندماج الصناعي أو التجاري مع أوربا، بدليل ارتفاع التبعية الجزائرية للواردات الصناعية الأوربية الى سقف 90 بالمائة من الاحتياجات الوطنية من الآلات وقطع الغيار والمواد نصف المصنعة والأجهزة تامة الصنع.
نحو برنامج جزائري للطاقات المتجددة
أعلنت المغرب عن برنامجها الطاقوي الجديد، أسابيع بعد الكشف عن المشروع الأوربي "ديزرتك" العام 2009، بتمرير قانون "الطاقة النظيفة"، وبعدها مباشرة كشفت الشقيقة تونس عن برنامج مماثل يرسم الأهداف والمشاريع القومية، وتفردت الجزائر بالاعلان عن مشاريع عدة في مجال الطاقات المتجددة في كل من: أدرار، حاسي الرمل، مستغانم، العاصمة ـ بعضها لايزال محور جدل بين الخبراء والسياسيين في موضوع الكلفة وامكانات التنفيذ ـ قبل الكشف عن البرنامج الوطني للطاقات المتجددة والذي وعد به المسؤول الأول الجديد على قطاع الطاقة والمناجم. ولهذا من الصعب تعريف السياسة الطاقوية الجديدة للبلاد ضمن الرهان الاقليمي والدولي: هل تستمر الجزائر في نموذج الاقتصاد المبني على الريع ولو كان ريعا شمسيا هذه المرة؟ أم أن التجربة التاريخية مع المحروقات ستدفع بواضعي السياسات الاقتصادية في الدولة الى مقايضة الامكانات الوطنية في مجال الطاقات النظيفة باندماج صناعي حقيقي مع الشركاء المحتملين على قاعدة تلبية الطلب الداخلي أولا، حفز الابتكار التكنولوجي، التسعير على أساس السوق واطلاق نسيج صناعي متخصص في الطاقات البديلة بمكوناته: سوق المواد، سوق الخدمات وسوق الشغل؟
الأكيد، أن سوقا إقليمية جديدة بدأت تتشكل بين أوربا وشمال افريقيا، لا تحتل فيها الجزائر نفس الموقع الذي احتلته في سوق المحروقات طيلة نصف قرن من الاستقلال بسبب أهمية المتدخلين المنافسين في مجال الطاقة الشمسية والمائية وطاقة الرياح، ولكن قواعد اللعبة التجارية الدولية تظل نفسها، والقاعدة الذهبية بينها: تحقيق أكبر مصلحة اقتصادية بأقل التكاليف الممكنة ولفترة من الزمن لا تحسب بالسنوات ولا بأعمار الساسة.