خامساً: من كيد إبليس التسويف، فكلما جاء طارق الخير إلى نفس المسلم أرسل إبليس بواباً ليصرف هذا الطارق، فمن هو البواب؟ إن اسمه بواب لعل وعسى، في المستقبل، إن شاء الله، سيأتي الوقت، سوف، لعلني في المستقبل، وقد يكون من تلبيس إبليس في هذه المسألة، أنه يجعل الإنسان عائقاً، يقول له: إذا زال العائق افعل هذا الفعل.
فمثلاً: يأتي إلى الإنسان طارق طلب العلم، فيأتي إبليس يقول لهذا الشخص: أنت الآن منشغل بالدراسة هذه الدارسة وتحصيل الشهادة اجعل طلب العلم الآن على جنب، إذا انتهت الدراسة تطلب العلم إن شاء الله، فإذا انتهت الدراسة أتى له بعائق آخر، قال له: أنت الآن سوف تبحث عن وظيفة انتظر حتى تبحث عن وظيفة ثم تطلب العلم، فإذا وجد الوظيفة وجد له عائقاً آخر فقال له: ثبت نفسك أولاً فأنت الآن جديد في الوظيفة وهم سيجربونك في الوظيفة وبعد ما تثبت جدارتك وتشتغل ليلاً ونهاراً اطلب العلم، وهكذا.
وإذا جاءه الإنسان مثلاً: طارق الدعوة إلى الله يقول له: قم ادع إلى الله، فيقول له الشيطان: أصلح نفسك أولاص وتخلص من عيوبك ثم تشتغل بالدعوة، فينشغل الإنسان ويظن أنه على خير وأنه الآن يخلص نفسه من العيوب والزلات والآثام والمعاصي ثم يقول له إذا وصل إلى مستوىً يرضى بنفسه منه، يقول له: لا بد أن تطلب العلم أولاً، فإذا طلبت العلم وحفظت أشياء كثيرة من الكتاب والسنة بعد ذلك تدعو، فيقول العبد في نفسه: صحيح، أنشغل بهذا فإذا أتممت قسطاً وافراً من العلم أبدأ في الدعوة.
وهكذا يتدرج في وضع العوائق في طريقه كلما أتى ليعمل شيئاً وضع له عائقاً، إذا جاء ليتصدق قال: أولاً وفر مهر الزواج، ووفر أثاث البيت .. وهكذا، فيشغله بعائق عن العمل وعن الوصول لهذا الأمر المشروع، ولا شك أن ذلك من كيد إبليس وتلبيسه، والعاقل من عرف أنه لا بد أن يضرب في كل حقل بسهم مما يستطيع من طاعة الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يشغله خير عن خير فهو يعمل في أبواب الخيرات ما استطاع، ويكمل نفسه بمرور الوقت، يكمل نفسه ويعمل للإسلام، يكمل نفسه ويتصدق ويجاهد ويتعلم ويدعو ويعمل ما يستطيع من أبواب الخير.
سادساً: أنه يأتي أحياناً للإنسان، فيقول له: إن هذا الجانب الذي أنت فيه جانب عظيم من الخير، فعليك به واهتم بهذا الأمر، فينشغل العبد بهذا الجانب عن بقية الأشياء، فمثلاً يقول له: أليست النفقة على المال والأهل عبادة؟ إذاً أنت اعمل الآن في هذه الوظيفة واشتغل هذه تجارة أعطها جهدك وضع فيها تركيزك؛ لأنها عبادة وسوف تستفيد منها أموالاً وسوف تنفق على أهلك وأولادك، وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول، فيضخم له جانب العمل والوظيفة على أنها عبادة، يضخمها له حتى يظن الشخص فعلاً أنه الآن يؤدي خدمة عظيمة للإسلام بهذا الجانب، فينشغل عن بقية الجوانب، فينشغل عن الدعوة وعن طلب العلم، ينشغل عن أمور كثيرة من أمور الخيرات، بل قد ينشغل بها عن العبادة والشعائر التعبدية.
ونفس الشيء يقال له في الدراسة الدنيوية: أليست الدراسة عبادة؟ ألست تدرس لتكون طبيباً ينفع المسلمين؟ ألست تدرس لتكون مهندساً ينفع المسلمين؟ ألست تدرس لتكون إدارياً يدير مشاريع المسلمين؟ وهكذا .. وهكذا، إذاً: أنت في حقل عظيم عليك بهذا الحقل ركز فيه، اجعل فيه جهدك، فينسى العبد حتى العبادات وينسى أموراً مهمة في الدعوة إلى الله وطلب العلم بهذه الأضحوكة الشيطانية، وهذه اللعبة العفريتية.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي