يا شاعر الحبر عبد الله سعدي،
لقد أبحرتَ بنا في نصك "قلب الحبر" إلى عوالم تتعدى الكلمات، حيث الحروف ليست مجرد رموز بل نبضات حية تتدفق من قلبك، تعانق الورق وتعبر عن شوق دفين للحياة ومعانيها. نصك يفيض بالحياة كما يفيض الحبر من المحبرة، في صورة جمالية تتجاوز حدود التعبير التقليدي إلى حالة من الامتزاج بين الذات واللغة، وكأنما الحبر هنا هو امتداد لروحك، يلامس بصدق مشاعر العاشقين والتائهين على حد سواء.
في هذا النص تتجسد فلسفة الحبر ككيان يتنفس ويتحرك، فلا يعود مجرد وسيلة للكتابة، بل يتحول إلى "قلب" ينبض بالحياة، ويصبح "نهجا للعاشقين" ودربًا معطرًا، يحمل رسائل تتجاوز الزمن، ليبقى أثره في قلوب القراء. هذا المعنى العميق يلامس طرح الفلاسفة حول مفهوم الإبداع كعملية ولادة دائمة، تمامًا كما عبّر عنه نيتشه الذي اعتبر الإبداع امتدادًا للحياة وشكلاً من أشكال المقاومة للزوال. إنك في "قلب الحبر" تلامس هذه الرؤية الفلسفية؛ إذ تحول الكتابة إلى فعل مقاومة للعدم، وإلى مسار يحتفظ بذاكرة الأزمان ويعبر عن الشغف والعشق.
ومن ناحية النقد الأدبي، يتسم النص بتدفق متوازن وصور شعرية مشبعة برائحة الحنين، حيث تتجسد الكلمات كمشاهد حية تبوح بالحب والأمل، وتستدعي من القراء المشاركة في رسمها وتخيلها. أسلوبك هنا يقارب الشعر النثري المتأمل، الذي لا يقتصر على السرد وإنما ينسج بين التأملات الشخصية والبوح الداخلي، ما يمنح النص طابعًا ذاتيًا ويضفي عليه لمسة خاصة من الأصالة.
إلا أن هناك جانبًا يمكن الإشارة إليه نقديًا، وهو أن النص، رغم جماله وأصالته، يكاد يجنح نحو الحنين المطلق والتأمل، مما قد يبعده قليلًا عن توازن التفاعل بين الشعور والفكر. ربما كان النص أكثر عمقًا لو تناول ببعض التفاصيل كيف لهذا "قلب الحبر" أن يكون نبراسًا للآخرين، وكيف يتحول هذا الحب للكلمة إلى أداة للشفاء والتغيير، لا سيما في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتعاظم فيه التحديات.
قصيدتك، أيها الشاعر، هي نبض من نوع آخر، يحكي عن عالم من الصدق والمشاعر التي لا تعرف الخداع، ويجعل من الحبر شريكًا خالدًا للأمل والتعبير. نصك هذا سيبقى أثرًا وعلامة، ليس فقط في مسيرة قرائك، بل أيضًا في مسيرة كل من يحاول أن يجعل من الحبر رسالة حياة، وشعلة تنير دروب العاشقين.
د. محمد آدم ابوقرون
الكاتب والناقد
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي