ـــ النَّاس أَعْدَاء مَاجَهِلُوا ــــــ

قالى تعالى في محكم التنزيل من سورة العلق :" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ،الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ."، يعني أيات كريمة واضحة كل الوضوح، و لا تحتاج إلى مفسرين كبار و من التاريخ من أجل تبيان أن القراءة أو العلم من الاسس المهمة التي نادى بها ديننا الحنيف، و ذلك من خلال طلب العلم إلى أقصى البلاد العالمية، من أجل كسب مفاهيم و عقليات تساهم في تنوير الشؤون الداخلية للمجتمعات المسلمة، و خاصة أن البلاد العربية و الحمد لله تتوفر على إمكانيات بشرية مهمة بإمكانها العمل على هذه النقط لمنح العلم العربي مكانته الخاصة، أمام نظرائه في العالم، بدل البحث دائما عن البديل الجاهز، الذي يكون الأجنبي هو المطلوب دائما، رغم أننا قادرون على تحقيق معادلات عدة قد تتجاوز المفاهيم الغربية لو استغلت بالشكل المطلوب، لأن العلم نور كما يقال، لذلك وجب تنوير المواطن العربي من خلال تدعيم التربية و التعليم، على أسس تاريخية و حضارية في مظهر من الإندماج بين الأصالة و العراقة، حتى تحافظ على المكتسبات التاريخية للأمة العربية، التي كان لها الفضل عبر الحضارات الإسلامية المختلفة، في إيصال علوم و أبحاث إلى عصرنا هذا، عبر علماء متخصصين من كبار رجالات الأمة الإسلامية، بأمثال إبن خلدون، إبن سيناء، إبن هيثم، الخوارزمي و غيرهم من عمالقة التفكير العربي، الذي كانوا بحق أعمدة التفوق العربي على الساحة العالمية، خاصة أن دروس و محاضراتهم لا تزال تدرس في الجامعات الغربية، مقابل تجاهل و نكران غريب من الأنظمة العربية، لهؤلاء "السفراء" الحقيقيين لما يسمى بـ"العرب" أو "المسلمين"، لاننا بفضلهم لا نزال نجد بعض الإحترام و التقدير لدى الشعوب الغربية، التي تقدر هؤلاء أكثر مما نقدرها نحن، و تجد أنهم اكثر إلماما بسِيَرهم و عُلومهم، مقابل جهل كبير لدى طلبتنا و أساتذتنا الموقرين، لأن الأنظمة تجد في هؤلاء "خطر" قد يهدد كيانهم و تواجدهم على عروشهم الفانية، لأن هذه العقول النيرة من علمائنا السابقين، كانوا من الدعاة إلى إحترام و تدقير الشعوب، و جعلها رمزا لإكتساب الشرعية و المهابة بدل القهر و الظلم بكل أصنافه.



من هذا المنطلق، نفهم جيدا أن العلم أو التعليم هو من الأسس الظرورية لنجاح أي حضارة كيفما كان تواجدها في المعادلة العالمية، بل إنها السبيل الوحيد لخلق معادلات تكون فيها ضمن القواعد المتحكمة في القرارت الدولية، بدل أن تصبح "دومينو" في أيدي الأجنبي، الذي يتحكم فيها و يحركها كيفما يشاء، في مظهر من مظاهر الذل و الخزي العصري، الذي أصبحت فيه بلدان عربية، تلعب دور "الخادم" لدول غربية عدة، من أجل ضمانات لن تجدها إلا عند الضامن الأكبر سبحانه و تعالى، و هذا ما يحيلنا إلى التربية الإسلامية لدى حكامنا، الذي يبيعوا و يشتروا بنا كالدمى، دون اعتبار لمكانة هذا الشعب و قيمته الدينية، خاصة أن معادلته في الحساب السماوي، ستكون له قواعد مهمة تجعله الحاسم في القرارات و الاحكام، لكنها تبقى غافلة في الحياة الدنيوية إلى حين، مما يعني إستمرار هذه الحالة الإجتماعية و السياسية الهشة، التي تعيشها البلدان العربية، رغم أننا كما قلنا في استهلالنا أن التعليم و العلم، هو السبيل الوحيد لجعل الشعوب العربية في مراكز القرار العالمي.
و الاكيد أن هذا لن يكون قائما، إلا إذا كان هناك اعتراف صريح من أصحاب القرار، بأننا ضمن الحكمة التي أسسها الصاحبي الجليل علي بن أب طالب رضي الله عنه، الذي قال: " النَّاس أَعْدَاء مَاجَهِلُوا"، أي أن العدو الحقيقي للأمة العربية ليس الغرب أو غيرها من الحضارات، بل هو الجهل و الأمية التي نعيش فيها منذ قرون، رغم أننا أحفاد مدرسة المصطفى عليه أفضل الصلاة و السلام، الذي جعل من العلم السبيل نحو تخليق الحياة العامة، من خلال الدعوة إلى الإهتمام بالتعليم و طلبها و البحث عنها أينما كان، حتى لو كان في الصين كحكمة، لأنه عليه الصلاة و السلام يعلم جيدا الدور الذي يلعبه التثقيف و التعليم في كسب شعب قادر على السير بثبات نحو تحقيق الإنتصارات و الإنجازات في شتى الأنواع، لأن من دون العلم لا قيمة لأي حضارة قائمة، لأنها تصبح عائقا امام بقية الشعوب من أجل السير بعيدا بهذا الكوكب نحو التطور و الحداثة المرغوب فيها، رغم أن الغرب الذي إمتطى القيادة بفضل مكاسبه العلمية، قد ذهب بنا إلى الهاوية في ظل وجود مفاهيم خارجة عن الأسس الدينية و المنطقية، التي تجعل من الغيب و الحدود الكونية، هدفا نحو إختراقها في سبيل "حب الإستطلاع و الفضول"، رغم ان الكون له حدود يجب إحترامها و عدم تجاوزها، مما قد يخلق عدم توازن في المعادلات الكونية، التي تسير عليها الإنسانية بثبات، لذلك لو كانت هناك قيادة للشعوب التي إختارها الله من أجل الحفاظ على هذه الموازين الكونية، لكانت عدة قيم و أخلاق ما تزال محفوظة و لها مكانتها لدى الشعوب، عكس يومنا هذا الذي أصبح الفساد و السلوكيات الشاذة نموذجا "للحداثة و العصرية"، في صورة مقلوبة لما يجب عليه أن يكون العالم الحديث، من اسس علمية و تكنولوجية محدودة، تكون في خدمة الشعوب و ليس في إبادتها، كما شاهدنا منذ القرنين الاخرين، حيث بعدما كان العلم في خدمة الشعب، أصبح السلاح الأقوى في تدميره و إبادته كليا من الوجود، عبر الحروب التاريخية التي تجلت في العصور الوسطى و الحديثة، في مظاهر وحشية لا علاقة للعلم بها.
و في عالمنا العربي، مازلت أنظمتنا لم تعترف بدور هذا العلم و بنتائج هذا الجهل، في تغيير المعادلات القومية، من خلال غياب لأي دعم أو إهتمام بهذا المجال الحيوي، حيث نشرت عدة دراسات بأن العالم العربي لا تزال الأمية مسيطرة فيها بشكل كبير، حتى أنها أصبحت تزداد عكس التوقعات في بعض الدول، مما يجعلها العدو الأول لهذه الشعوب التي تحتاج إلى من يخرجها من هذا المأزق بدل تضييع الملايير على "نجوم الغناء و السينما"، و التبذير اليومي من خلال الإختلالات و الفساد المتفشي في جميع المناحي اليومية للمواطن العربي، حتى اصبحت المطالب بالحقوق الأساسية، كإعتداء واضح على القدسية القومية، في صورة لا يمكن للمتفرج عليها ان يفهم دور المؤسسات الحاكمة في منح شعوبها المتطلبات الأساسية و حقوقه المشروعة، التي أسسها الإسلام بعد تضحيات عديدة و جسيمة، ضحى خلالها الملايين من المسلمين من أجل أن يكون الإسلام حضارة تقود البقية بنشر السلام و العدل في الكون، في مكانة لا يعرف إلا المعمقين في الديانات السماوي، و العالمين بالنهاية المنتظرة.



في الأخير، و كما قال رضي الله عنه علي بن أبي طالب في حكمته المشهورة و التي جعلتها عنونا لموضوعنا هذا، فإن الأمة العربية عدوها الحقيقي هو "الجهل"، و ليس الصراع بين الأشقاء و غيرهم في معادلات إقتصادية و عسكرية، لن تكون في مصلحة الشعوب العربية، لأننا في موضع ضعف يتحتم علينا البحث عن السبيل الذي يرتقي بنا نحو المكانة العالمية، من خلال تدعيم السياسة الداعية نحو الإهتمام بالعلم و مشتقاته، لتكون الداعمة الأساسية نحو إصلاح الدعامات القومية و الركائز المعتمدة في تسيير شؤون الأمة، لأنه لا يمكن "للجهل" بأن يكون في موقع قيادة أمام حشد من المثقفين و المتعلمين، في مظهر يخجل منه الإنسان و قد ندخلها ضمن تهمة "الجريمة ضد الإنسانية" بحق.