لا يخفى على أحد منا ،،أن الباحث في القرآن الكريم يجد الكثير من أوجه الإعجاز العلمي ،،
فقد توصل العلم الحديث لكثير من الحقائق المتعلقة بالعلاقة بين العين والفؤاد والسمع ,,, وذلك رغم أن هذه العلاقة ذكرت تفصيليا في القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً، ومن المعلوم كذلك أن أول خريطة تم رسمها للمخ البشري كانت بعد نزول القرآن الكريم بأكثر من 1200 عام ، وقبل ذلك كانت مراكز المخ مجهولة بالنسبة للإنسان ، لدرجة ان العلماء كانوا يعتقدون أن مركز البصر موجود في العين ، ومركز السمع يوجد في الأذن ،، ولكن العلم الحديث فصل بين عضو البصر ومركز البصر ... ومركز السمع وعضو السمع أي أنه فصل بين عضو الحس ومركزه ، كما كشف لنا العلم أيضا عن وجود منطقة بين مركزي السمع والبصر في المخ تسمى منطقة البيان ،، وتدميرها يؤدي إلى أن يصبح الإنسان أبكماً ..
ومن الإعجاز كذلك أن رسم القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرناً صورة مفصلة للمُخ.....
ففي الآيات القرآنية التي تتحدث عن العين والأذن ، د ائما تتقدم العين في كل آيات القرآن ...ماعدا موضعين في سورة مريم (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) .. وفي سورة طه (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (الأذن إشارة إلى موقعها في رأس الإنسان ، وهناك آيات أخرى تتحدث عن الإبصار والسمع في تعبيرات تشير إلى الإدراك والتدبر ، ودائماً يتقدم السمع على الإبصار.. وقد اكتشف العلم الحديث أن مراكز السمع تتقدم على مراكز الإبصار ..... والشيء الملاحظ كذلك أن كلمة الفؤاد تذكر دائماً بعد السمع والبصر وهذا يعني وجود علاقة عضوية بين السمع والبصر والفؤاد..
لعل تساؤل يطرح نفسه !!
هل الفؤاد هو القلب؟
فإذا كان ذلك صحيحا فإن محل الفؤاد هو الصدر.. ولكن قال الله عزوجل : (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ,,إذاً الفؤاد ليس في الصدر!! لذا يجب الفصل بينهما ...والتمييز كذلك.....
بالفعل هناك ظواهر في القرآن والسنة تؤكد اختلاف القلب عن الفؤاد وأبرزها ذكر الفؤاد دائما بعد السمع والبصر في آيات القرآن الكريم كله ..
بينما ياتي ذكر القلب قبل السمع والبصر كما في قوله تعالى (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ) ..وقد يأتي بين السمع والبصر كما في قوله تعالى ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) ، وقد يأتي بعد السمع والبصر (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) ......
بل وهناك ظاهرة أخرى تبين اختلاف القلب عن الفؤاد ..في سورة القصص حيث قال الله عزوجل وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)... فبعد أن ألقت أم موسى بابنها الرضيع في اليم أصيبت بصدمة ، فقدت على أثرها ذاكرتها ..وأصبح فؤادُها فارغاً من الوعد الذي أخذته قبل أن تلقيه في اليم ، فالفؤاد هنا معطل ...بينما كان القلبُ صاحبَ اليد العليا في هذه القضية ...
بل حتى في اللغة العربية نجد أن قلب الشيء معناه (( لبُّه )) ، أما الفؤاد فيأتي من التفؤد . . وهذا كله يؤكد اختلاف القلب عن الفؤاد ...
ويشير السمع والبصر إلى مناطق عقلية عليا في قشرة المخ ، وتتعامل هذه المناطق مع المسموعات والبصريات بكفاءة عالية ،، والبعض من ضعاف النفوس يقارنون بين هذه المناطق وبين اجهزة الذكاء الصناعي التي قد تفوق المخ البشري فيما تختزنه من مسموعات ومبصرات ،، ولكن الرد على هؤلاء يكون بأن هذه الأجهزة الصناعية ماهي إلا أرشيف كبير مبرمج وفقا لتخطيط المخ البشري ، بل يكفي المخ البشري أنه من صنع الله عزوجل ,,والباقي من صنع عبد لاحول له ولا قوة ...فالإنسان يسمع وينفعل بما يسمع .. ويتفأد بما يسمع .. وهذا غير موجود في أرقى أجهزة الذكاء الصناعي... وقد وجد العلماء في عُمق المخ مناطق تتعامل مع العواطف والغرائز والأحاسيس ،،ولذا لا بد لنا إن شاء الله من وقفة ثانية لنبحث الفؤاد في قلب المخ ...
الأبحاث العلمية الحديثة استطاعت أن تحدد مناطق الفؤاد في المخ ، فهناك ما يسمى حصان البحر (( لأنه يشبه حصان البحر )) ، وهناك جزء يسمى اللوزة ،، وجزء آخر اسمه الزنار ،، وهناك المهاد ... وقد استطاع العلماء تحديد وظائف هذه الأجزاء.....
فالمهاد به مناطق الاحساس بالألم ....أمَّا الزنار فيوجد به مناطق الإحساس بألم الحريق...ولحصان البحر واللوزة علاقة بالذاكرة وتدميرها يفقد الإنسان القدرة على تكوين ذكريات جديدة ولكن تظل الذكريات القديمة مخزونة ، فمثلا اذا رزق إنسان مصاب بمرض ما في هذه المناطق، بطفل لا يمكنه أن يتذكره إلا لحظياً ثم ينسى بعد ذلك كل شيء حوله ... ويوجد باللوزة أيضا جزء خاص بالعاطفة ...أما منطقة تحت المهاد فبها مناطق الغرائز ( الجوع والعطش ووو)
هذه الأجزاء كلها تمثل الفؤاد الذي أثبت القرآن أولاً ثم العلم ثانياً وجوده في مخ الإنسان ، لبيقى القلب أميرالجوارح في صدر الإنسان
بذلك يصبح السمع والبصر والفؤاد من أدوات القلب ، مع الوضع في الاعتبار أن الفؤاد مكون من عدة أجزاء ومناطق وليس منطقة واحدة فقط .. ويرتبط قلب المخ بمايسترو الجسم وهو الغدة النخامية ، وبالتالي تتولد الأحاسيس المختلفة في المناطق المختلفة للفؤاد قبل أن تذهب الى القشرة المخية لتتميز ، ولكن الاحساس بالألم يبدأ في منطقة المهاد ، ويتميز بأنواعه المختلفة في القشرة ، فلو أزلنا القشرة يبقى الإحساس بالألم نتيجة وجود منطقة المهاد ..
القرآن أشار إلى المناطق المختلفة للفؤاد :
فقد قال الله عزوجل ((رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)) فهذه الآية تشير إلى منطقة العواطف في الفؤاد ،، فلا يمكن أن يقوم الناس بزيارة هذا الوادي الخالي من الزرع والماء إلا أنه يمثل لهم عاطفة ما ،،،
وقال تعالى ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)) إلى أن قال تعالى ((وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ)) .. فقد فسروا العلماء زخرف القول بالكلام الفاسد الذي يثير الغرائز المختلفة ،أي أن الآية تربط الغرائز بالفؤاد...
أمَّا في قوله تعالى (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية تشير الى الذاكرة ..
وفي قوله (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) فسر العلماء كلمة هواء بأنها تعني خلو أفئدتهم من العقل ، من شدة الخوف والرعب فقدوا ذاكرتهم كما في حالة أم موسى ...
وكذلك قوله تعالى (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ 6 الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ 7 ) قال المفسرون أن نار الله تصل إلى الأفئدة لأنها أرق ما في الجسد حيث أنها مكان الإحساس بالألم ، وهذه إشارة واضحة إلى أن مكان الإحساس بالألم هو الفؤاد ...
مما سبق يتضح أن القرآن أشار إلى مناطق الفؤاد المختلفة ووظائفها في المخ البشري .. ومن الملاحظات كذلك أن السمع في القرآن يأتي على الأفراد ..أما البصر والفؤاد فيأتيان على الجمع دائماً ، مما يؤكد أن الفؤاد مكون من عدة مناطق وليس منطقة واحدة.. كما أن الفؤاد يمثل قلب المخ ولذلك كان يأتي ذكره في القرآن بعد ذكر السمع والبصر دائما ..
بل إن منطقة الزنار لا تتأثر الا بألم الحريق ..في حين أن البعض أشار إلى أن الجلد هو مركز الإحساس بالألم واستشهدوا بقوله (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) وهذا طبعا خطأ كبير لان الآية تشير الى ان الجلد هو مركز الإحساس بالألم ، فالجلد مجرد أداة لنقل الألم حيث تدرك الألم في الفؤاد والدليل على أن الله تعالى قال (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا) ولم يقل جلودا مثلها ..لأن الجلد مجرد أداة فقط أمَّا مركز الإحساس بالألم فمكانه الفؤاد....
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي