حميد بن خيبش -
لايمكن الحديث عن الطفرة النوعية التي تعرفها مناهج التعليم ببلادنا دون الحديث عن بيداغوجيا الكفايات التي تعد جوهر هذه الطفرة , و ملمحا أساسيا من ملامح إصلاح نظام التربية و التكوين . هذه البيداغوجيا التي شكلت قطيعة مع النزعة التقليدية السلطوية المهيمنة على الفعل التربوي منذ عقود , وتجاوزا ذكيا لبيداغوجيا التدريس بالأهداف المغرقة في نزعتها السلوكية .
و مكمن الجدة و المغايرة في هذه البيداغوجيا هو تفعيلها لفلسفة و مضامين الميثاق الوطني للتربية و التكوين , و المتمثلة أساسا في :" جعل المتعلم بوجه عام , و الطفل على الأخص , في قلب الاهتمام و التفكير و الفعل خلال العملية التربوية التكوينية …"(1) , و ذلك بتبني " نهج تربوي نشيط , يجاوز التلقي السلبي و العمل الفردي إلى التعلم الذاتي , و القدرة على الحوار و المشاركة في الاجتهاد الجماعي"(2) .
إلا أن ترسانة الصيغ و المقاربات البيداغوجية لا تكفي وحدها لتفعيل و أجرأة هذه المضامين ما لم تصاحبها قراءة رصينة لشخصية الطفل بكل أبعادها الحركية و النفسية و الاجتماعية , و القدرة على توجيه إمكاناته و قدراته و ميولاته التلقائية بشكل يخدم مسار تعلمه.
المــحــــــــــــور الاول : اللـعــب
تقول الدكتورة سوزانا ميلر أخصائية علم نفس الطفل" لقد ظلت كلمة "لعب" زمنا طويلا تعبيرا يشبه سلة المهملات اللغوية التي نلقي فيها بكل سلوك اختياري , و لكن لا يبدو له أي استعمال واضح من الناحية البيولوجية أو الاجتماعية"(3) .
و بالفعل فإن العديد من الآباء و الأمهات بل حتى المربين يخفقون في فهم ماهية اللعب و ضرورته الحيوية بالنسبة للطفل, إذ يعدونه سلوكا فارغا من أي محتوى وظيفي , و عائقا أمام التحصيل الدراسي , و قد غاب عنهم أنه أول بوابة يلجها الطفل لاكتشاف نفسه أولا , ثم استكشاف العالم.
إنه موقف يبدو غريبا إذا قورن بلحظة الاعتراف بالقيمة العملية للعب, والتي ترجع إلى زمن أفلاطون و أرسطو, حيث نادى الأول في كتابه " القوانين" بتوزيع تفاحات على الأطفال لمساعدتهم على تعلم الحساب, و منح أدوات بناء مصغرة لمن يتوقع أن يكونوا بنائين فيالمستقبل, بينما دعا الثاني إلى تشجيع الأطفال على اللعب بما سيكون عليهم أن يفعلوه بشكل جدي حين يصيرواراشدين .
كما أن العديد من الدراسات و الأبحاث التربوية و النفسية أجمعت على اعتبار اللعب ضرورة بيولوجية , و نشاطا أساسيا لتكوين شخصية الطفل ,بل يذهب بعض خبراء التربية إلى أنه وسيلة التعلم الوحيدة خلال الخمس سنوات الأولى.
لكن قبل المضي في تبيان فوائد اللعب و آثاره على نمو الطفل , لا بد من إضاءة أولية لماهية اللعب و طبيعته و خصائصه , بالإضافة إلى الحيز الذي يشغله في أهم النظريات و المقاربات السيكولوجية.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي