هكذا علمنا النبي الاعتراف بالجميل وشكر الله والناس
علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نرد الجميل إلى أهله، وكيف نعترف بفضل كل صاحب فضل، وكيف نلتزم بالخلق الحسن ونقدم الشكر لكل من ابتسم في وجهنا وقدم لنا معروفا أو هدية حتى ولو كانت وردة .فالمسلم الحق هو الذي يقوي علاقاته بكل المحيطين به ويكسبهم ويتعاون معهم ويدفعهم إلى حسن الخلق معه وتقديم المساعدة له.
وطريق ذلك كله هو حسن الخلق مع الناس وتقديم الشكر لهم، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: من لا يشكر الناس لا يشكر الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال هذا التوجيه الكريم يلفت نظرنا إلى أن قيمة الشكر لها منزلة كبيرة وأهمية بالغة، لدرجة أنها إذا لم تتحقق في علاقات بعضهم مع بعض فإنها بالتالي لا تتحقق في علاقات الإنسان بالله.
وهذا الربط النبوي الكريم بين الموقفين شكر الناس وشكر الله يحتاج منا كما إلى وقفة نتأمل فيها هذه القيمة المهمة ودورها في حياة الناس، صحيح أن هناك كثيرين لا يأبهون بهذه القيمة ولا يعيرونها كبير اهتمام، ولكن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم علمنا ووجهنا إلى أن العلاقات بين البشر في حاجة ماسة إلى دعم متواصل وتنشيط مستمر لتقوية أواصرها وترسيخ أركانها من أجل مزيد من التعاون والتضامن لتحقيق الخير للجميع، وهذا لا يكلف الإنسان عبئا أو جهدا كبيرا، فالكلمة الطيبة لها أثرها العميق والفعال في النفوس والكلمة الخبيثة من جانب آخر لها أثرها السلبي في إحلال النفور بين الناس محل الحب والإخاء.
سلوك حضاري
ومن الأخلاق الفاضلة التي تعلمناها من قرآننا ومن توجيهات رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نرد تحية من يحيينا، فنحن مطالبون بأن نرد التحية على الأقل بمثلها أو بأحسن منها، وإذا أسدى إلينا أحد جميلا أو قدم لنا خدمة معينة قولا أو فعلا فإن الواجب يقتضي أن نقدم له الشكر على ذلك قولا أو فعلا حتى لو كان ما يقدمه لنا يقع في دائرة مسؤولياته وواجباته، ولهذا شاعت على لسان كثير من الناس ردا على هذا الموقف عبارة لا شكر على واجب وهذا سلوك حضاري راق ينبغي أن يسود بين كل المسلمين.
ولكن للأسف كثيرا ما يضن الناس حتى بكلمة الشكر التي لا تكلفهم شيئا في مقابل ما يقدم لهم من خدمات، ويستخدمون بدلا من ذلك كلمات لا تعبر عن الشكر والامتنان الذي يؤكد الصلات بين الناس، أو لا نسمع منهم شيئا بالمرة، أو نسمع ما يدل على النكران وعدم الاعتراف بالجميل، ومن هنا جاءت كلمات الحديث المشار إليه معبرة عن الربط بين شكر الناس وشكر الله لتبين لنا مدى الأهمية البالغة التي يعلقها الدين على تحقيق هذا السلوك الحضاري في معاملات الناس بعضهم مع بعض.
خلق إسلامي
إن الاعتراف بفضل الآخرين علينا عندما يكون لهم فضل خلق إسلامي كريم علمنا إياه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، والشكر هو وسيلة أو أداة الاعتراف بالفضل لأهل الفضل والثناء على المحسن بذكر إحسانه، وقد قرن الله في القرآن الكريم الشكر له بالشكر للوالدين في قوله تعالى أن اشكر لي ولوالديك وهذا يبين لنا أن ما يقدمه الوالدان من فضل لأبنائهما وسهر على تربيتهم وعناء في توفير الحياة الكريمة لهم أمر يجعله جديرا بأن يكون قرينا لشكر الله، فالله سبحانه وتعالى قد خلق ورزق، والوالدان تعبا وشقيا في العناية والرعاية لأبنائهما، ولذلك فإن ما نراه من عقوق وجحود للأبناء في واقع الحياة هو أبشع صور نكران الجميل، ومن ينكر جميل وعرفان والديه، فلن يكون غريبا عليه أو مستغربا منه أن ينكر جميل ومعروف كل الناس.
إن لشخصية المسلم موازين دقيقة، يعرف بها مدى قوة إيمانها وثقتها بنفسها، ومن أبرز تلك الموازين، ميزان الشكر، فحين يحظى المسلم بنعمة يتجه بالشكر للمنعم الوهاب، ويرعى حقوق الله منها، ويقر بفضل الله عليه واثقا وموقنا من كل قلبه وحين يكون كذلك فهو قوي الإيمان، معتدل الشخصية، فهو من أول وهلة يدرك حقوق هذه النعمة، وما يجب عليه من شكر الله عليه، وليس الشكر كلمات تتردد على اللسان فحسب، وإنما لابد مع إعلان اللسان الثناء والعرفان لصاحب النعمة من اعتقاد القلب وتصوره للنعمة، وشكر سائر الجوارح بمد يد العون والمساعدة لكل فقير ومحتاج.
وحقوق الشكر التي علمنا إياها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ليست قاصرة على جانب المال، وإنما تشمل كذلك سائر الجوانب الأخرى، فإذا كان الإنسان في صحة وعافية شكر ربه عليها، وساعد الضعفاء بها، وشارك في صنائع المعروف، ومناحي الخير والبر، وإذا كان في جاه أدى حقوق هذا الجاه مساعدة للناس، وتواضعا معهم، منتهجا منهج الحق والعدل، فلا يحيد ولا يضن بجاهه على ذوي الحاجات ولا يستغل هذا الجاه في منفعة شخصية، أو بطش بالضعيف، وإنما يتخذه وسيلة إلى كل بر، وإذا كان على درجة من العلم طبق بالعمل، وازداد في علمه، وعلم غيره، وهدى الناس وأرشدهم إلى ما فيه صلاح دنياهم وأخراهم من غير أن يخالطه رياء، أو حب في الظهور وهكذا الحال في كل نعمة ينعم الله بها عليه، ويؤدي واجب الشكر حيالها قولا وعملا، وتطبيقا وسلوكا.
أولادنا وفضيلة الشكر
وإذا كان الشكر والاعتراف بالجميل على هذا القدر من الأهمية في ميزان الإسلام، فعلينا أن نربي أبناءنا على الالتزام بهذه الفضيلة خاصة في هذا الزمان السيئ الذي انتشرت فيه كل صور الجحود ونكران الجميل ومقابلة الحسنات بالسيئات، وعدم الاعتراف بفضل كل من يقدم لنا عونا أو مساعدة.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على فضيلة الشكر والاعتراف بالجميل، وكانت أبرز وصاياه إلى أصحابه رضوان الله عليهم شكر الله، وقال لمعاذ بن جبل: لا تنس أن تقول بعد كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، فأول من يتجه الإنسان إليه بالشكر إنما هو الله سبحانه وتعالى الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، ومنح وأعطى، وإليه يرجع الفضل كله، والنعم كلها، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار، ثم يأتي بعد ذلك شكر الوالدين اللذين هما سبب الوجود وتحملا في سبيل الإنسان ما تحملا ولأهمية شكرهما والإحسان إليهما والتأدب معهما جاءت وصية القرآن بشكرهما بعد شكر الله تعالى فقال سبحانه: أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير ثم يأتي شكر الناس، ولذلك كان التوجيه النبوي الكريم من لم يشكر الناس لم يشكر الله.
دور الإعلام
أن الإعلام المنفلت من القيم والضوابط وخاصة الدراما الهابطة هي التي غذت رذيلة نكران الجميل في نفوس أبنائنا، فقد شاهدنا الكثير والكثير من الأعمال الدرامية التي شجعت الأبناء على التمرد والعصيان والاستهتار بآبائهم ومدرسيهم مثل مسرحيتي مدرسة المشاغبين والعيال كبرت وغيرهما من الأعمال الفنية التي غرست في نفوس أبنائنا قيما سلبية ودفعت كثيرا من الأطفال والشباب إلى التمادي في التمرد والعصيان والعقوق ونكران جميل الآباء والمدرسين والمربين.
ضرورة أن تقوم وسائل الإعلام والثقافة والتوجيه برسالتها التربوية وتتخلى عن نشر وإذاعة وعرض كل ما يشجع الصغار على التمرد والعصيان ونكران الجميل.