في حدود الساعة الثامنة و35 دقيقة، من يوم أمس الأول، في وقت ''الذروة''، اختارت القناة الفرنسية العمومية ''فرانس 2'' بث فيلم وثائقي حول حرب التحرير الجزائرية، التي تحولت بقدرة فرنسية إلى همج إرهابي ضد الرعايا الفرنسيين في الجزائر، ''حرب الجزائر.. التمزق''، هو عنوان الشريط الوثائقي الذي أتبع بنقاش مفتوح حضره ''حركى'' ومؤرخون وأقدام سوداء، اتفقوا كلهم على أن فرنسا كانت ضحية وأن الجزائريين أو ''المسلين'' -كما وصفهم معد التقرير- هم الجلاد الذي جعل فرنسا تنتفض لترد الصاع لمن قتل أبناءها بالجزائر ''الفرنسية''..البداية كانت بصور لتفجير قطار كان على متنه فرنسيون، وصورة لمجاهد يبتسم بعد أن حاد القطار عن السكة مخلفا ضحايا في صفوف الفرنسيين، بطريقة استفزازية بدأ الصحفي تقريره باحثا عن ذريعة لجرائم فرنسا بالجزائر، تبع ذلك جنائز للفرنسيين ضحايا التفجير، وبكاء وعويل للمستعمر.. 05 سنة بعد اتفاقيات ايفيان واستقلال الجزائر، حان الوقت للحديث عن حرب الجزائر ومواجهة التاريخ بدون طابوهات أو سكوت.. انطلاقا من صور من الأرشيف تعرض لأول مرة وعدة مصادر على غرار أرشيف الجيش الفرنسي، وصور من التلفزيون البريطاني، وأخرى تعود للتلفزيون الجزائري وشرق أوروبا، فضلا عن صور لهواة، تقول ''فرانس 2''، التي اختارت الهروب إلى الأمام تنفيذا لأجندة سياسية وتحضيرا للاستحقاقات الفرنسية المقبلة، وتجنيبا لفرنسا الدولة إمكانية الاعتذار على جرائمها في الجزائر، بعد خمسينية من الاستقلال، أن الفرنسيين في الجزائر تعرضوا لسلسلة من التفجيرات وأعمال العنف التي طالت النساء والرجال عسكريين ومدنيين، في عمليات نفذها جزائريون ينتمون لجبهة التحرير الوطني، وبتنسيق محكم مع مصالي الحاج أب الحركة الوطنية حسب المعلق. الشريط الوثائقي الذي يعد الأول من نوعه والذي تطرق فيه المخرج غابريال لوبومان إلى حرب التحرير من العام 4591 إلى 1962 ودام ساعتين كاملتين، قال إن الرئيس الفرنسي شارل ديغول هو من قرر منح الجزائر استقلالها ووقف ضد محاولة الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرالات الأربعة في الجزائر بقيادة الجنرال ''سالان''، وأن فرنسا لم تكن لتستعمل القوة لولا جيش التحرير الذي تم وصف أعماله بالإرهابية، وأنها كانت ترد على الأعمال التي كان يقوم بها المجاهدون ضد المدنيين الفرنسيين، وبالنسبة لمخرج الشريط فإن ''الفرنسيين كانوا يعيشون في الجزائر في هدوء ويعتبرون الجزائر مستعمرة فرنسية وإحدى ولاياتها منذ سنة 1830 قبل أن تتسبب الثورة في زعزعة استقرارها، فكان رد الجيش الفرنسي سريعا من خلال الاعتداء على المدنيين الجزائريين العزل بدون أي سبب''. واستغل الشريط بعض الصورة لاعتداءات همجية للجيش الفرنسي ضد الجزائريين دون تعليق، حيث تم بث صور لاعتداءات على المباشر لأناس دون دفاع، وجاء في التعليق أن تلك العمليات كانت من أجل الردع والتخويف حتى لا يتم دعم عناصر جيش التحرير، الشريط الوثائقي حاول ترجيح كفة أعمال عنف جيش التحرير الوطني على الآلة الاستعمارية الفرنسية، مركزا من جانب آخر على مشروع ديغول التنموي في الجزائر المعروف بـ''مشروع قسنطينة''، في حين كانت مشاهد التهجير والتقتيل الجماعي لسكان الجزائر تمر مرورا خفيفا مع الحرص التام على عدم ذكر ''قانون الأهالي'' الذي صنف الجزائريين كمواطنين بدرجات دنيا مقارنة بالمدمرين.
...''زهرة ظريف بيطاط عنيفة قتلت جدتي وأفقدتني رجلي''
وواصل الشريط عمليات الاستفزاز، حيث يظهر في كل مرة صورا لقياديين في الثورة، على غرار مصالي الحاج، وياسف سعدي، ويخلّلها بصور تظهر الطريقة التي كانت تنتهجها فرنسا من أجل تجنيد ''الحركى'' وتسليحهم، وشهادة للصحفية دانيال ميشال شيش ثورة التحرير، حيث قالت إنها كانت برفقة جدتها في مقهى ''ميلك بار'' بالعاصمة الجزائر، أين تم تفجير قنبلة من طرف المجاهدة زهرة ظريف بيطاط وقالت إنها كتبت عن الحادثة كتاب ''رسالة إلى زهرة ظريف''، مؤكدة أنه لا يمكن أبدا تفسير هذا العنف الذي أفقدها جدتها ورجلها أيضا. الغريب في الشريط الذي لا يمكن إلا أن يصطلح عليه ''شريط حركي''، هو أنه وصف كل العمليات التي قام بها جنود جيش التحرير الوطني بالإرهابية والهمجية، وأنها كانت سبب خروج سكان العاصمة الجزائر للتنديد بها في مسيرات وتقديم مطالب لتأمين المواطنين ومعاقبة منفذيها، وقال الصحفي المولود بسيدي بلعباس في الجزائر إن البقاء كان للجنرال ''ماسو'' الذي تمكن من تفكيك خلايا جيش التحرير في العاصمة وإلقاء القبض على قيادييها، حيث يظهر الشريط صورا لبعض المجاهدين وكأنهم يسلمون أنفسهم طواعية للمستعمر الفرنسي.
مصر سلّحت المجاهدين... والفرنسيون تقاتلوا بعد استقلال الجزائر
مصر كان لها جزء من الشريط فهي الداعم والمسلح للمجاهدين، حيث تم إظهار صور لجمال عبد الناصر، مع تعليق يفيد بأن مصر كانت طرفا في تسليح ''الثوار'' حسب الصحفي، رغم أن مصر لم تعلم بأمر الثورة واندلاعها إلا من خلال الصحافة الفرنسية وتفاجأت بها مثلما تفاجأت بها فرنسا نفسها، وتواصل التقرير إلى أن بلغ أحداث ساقية سيدي يوسف التي كانت المنعرج الثاني الذي دخلت به القضية الجزائرية منبر الأمم المتحدة، وعرج الشريط على الدور السلبي الذي لعبته المنظمة السرية للجيش الفرنسي ''OAS'' التي كانت تغتال الجزائريين في جميع الأماكن، والنزاعات التي كانت بين الفرنسيين أنفسهم بين مؤيد ومعارض للخروج من الجزائر، إذ سعى البعض للبقاء والاستفادة من خيرات الجزائر.
في النقاش الذي أعقب الشريط الوثائقي، مؤرخون وحركى:''فرنسا ظالمة.. وفرنسا مظلومة ومحقة.. !''
وفي النقاش الذي أعقب الشريط، اتفق الحضور على ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر، حيث دافع المحامي وعضو فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، علي هارون، بشدة عن عدالة الثورة الجزائرية، وحق الجزائريين في الدفاع عن أرضهم، مبديا استغرابه من تصريحات الصحفية دانيال ميشال شيش إذ أكد أن عنف المدافع على أرضه مشروع ما دام له هدف وقضيته عادلة تناقش في الأمم المتحدة، ولا يمكن مقارنته باستعمار شامل لقوة عظمى في العالم لم تدخر أي وسيلة أو جهد من أجل استنزاف الجزائر، من جهته قال المؤرخ جون جاك جوردي إن الاستعمار الفرنسي جلب الدمار للجزائر حقيقة ولكن كانت له مساهمة في تشييدها من خلال مختلف المنشآت القاعدية، أما دليلة كرشوش وهي ابنة ''حركي'' فلامت فرنسا على عدم اعترافها بجميل والدها والآلاف من أمثاله ''الحركى'' حيث تنكرت لهم بعد أن قدموا لها الكثير ''فلم تقبلهم لا الجزائر ولم تعترف بهم فرنسا فيما بعد''. من جهته، قال المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا المولود بقسنطينة إن فرنسا عليها أن تعترف بجرائمها في الجزائر، كخطوة أولى من أجل المصالحة بين البلدين، ودفع الشراكة الاقتصادية إلى الأمام، بحكم العلاقات التاريخية بين البلدين، في وقت قال فيه المؤرخ جون جاك جوردي أن المصالحة يجب أن تكون من الطرفين وأن فرنسا معنية بالقيام بالخطوة الأولى.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي