حاول الكثير من العلماء إعطاء تعريف للأطفال الموهوبين واستفاضوا في أبحاثهم عن الموهبة وعواملها وخصائص الموهوبين وكيفية رعايتهم وتنمية مواهبهم وصولا الى مايسمى باستثمار الموهبة على النحو الأمثل .ويعرف العلماء الطفل الموهوب بأنه ذلك الفرد الذي يظهر قدرة عقلية عالية على الإبداع والتزام متميز بالمهمات المطلوبة منه في كافة المجالات والاختصاصات ذلك ان الموهبة تعني قدرة استثنائية او استعدادا فطريا غير عادي لدى الفرد وقد تكون تلك القدرة موروثة او مكتسبة سواء كانت قدرة عقلية او بدنية .
وتجمع الدراسات الحديثة على انه يوجد سمات للموهوبين يمكن من خلالها التعرف عليهم وتمييزهم عن العاديين كالسمات الجسمية من حيث مستوى النمو الجسمي والصحة العامة الذي يجب ان يفوق المستوى العادي ، فمن خلال دراسة أجريت لعينة من الأطفال الموهوبين وجد أن الطفل الموهوب حينما كان رضيعا بدا أكثر صحة من أقرانه وعندما تعلم المشي سبق عمره بشهر تقريبا كما انه تكلم قبل أقرانه بثلاثة اشهر ويوصف جسم الطفل الموهوب بأنه أعلى من المتوسط «العقل السليم في الجسم السليم» كما ان الأطفال الموهوبين ينامون نوما اقل من المتوسط لكن ذلك لايعني بالضرورة حكرا على الأصحاء فلقد ظهرت الموهبة عند أطفال من ذوي الحاجات الخاصة الاعاقات الجسدية .
وهناك سمات عقلية ومعرفية تميز الطفل الموهوب عن غيره من الأطفال العاديين ذلك أن الطفل الموهوب أسرع في نموه العقلي من غيره كما ان عمره العقلي اكبر من عمره الزمني ويتمتع ببعض الصفات المميزة كقوة الذاكرة واليقظة والقدرة على الملاحظة وسرعة الاستجابة والميل الى ألعاب الحل والتركيب واختراع وسائل العاب جديدة، كما ان هناك صفات انفعالية ونفسية واجتماعية تميز الطفل الموهوب كأن يكون اكثر انفتاحا وشعبية ولديه قدرة اكبر على تكوين علاقات اجتماعية مع غيره من الأطفال كما يوصف بأنه أكثر استقرارا من النواحي الانفعالية والنفسية وأحسن التزاما بالمهمات التي توكل إليه وأكثر واقعية أثناء أدائها واشد حساسية لمشاعر الآخرين.
هل الموهبة وراثية؟ ..
لقد تبنى العديد من العلماء الفرضية القائلة بان الموهبة وراثية وانه لولا العامل الوراثي للموهبة لتساوى الجميع في حال توافر برامج فعالة للتدريب فالموهبة يمكن ان تكون وراثية على عكس التفوق الذي تلعب البيئة في تنميته دورا رئيسيا، فالمتفوق لابد أن يكون موهوبا وليس كل موهوب متفوقاً، فالموهبة قدرة موروثة تتمايز عن مفهوم التفوق الاكتسابي، غير أن علماء آخرين اجمعوا على أن البيئة والوسط المحيط بالطفل هو الذي يجعله موهوبا او غير موهوب وقالوا إن الوراثة لا تلعب أي دورا بذلك .
مقاييس اكتشاف الموهوبين..
ويوضح الاختصاصيون ان هناك عدة مقاييس للكشف عن الأطفال الموهوبين أهمها مقياس الكشف عن الموهوبين في الفترة ماقبل المدرسة وذلك من خلال التركيز على معرفة اهتمام الاطفال الموهوبين من خلال السمات الشخصية والعقلية والانفعالية الأساسية التي تميزهم عن باقي الأطفال العاديين مثل الاستقلالية وحب الاستطلاع والمثابرة والطلاقة والمرونة والأصالة والحساسية للمشكلات وتعدد الاهتمامات والمواهب، كما يمكن اكتشاف الاطفال الموهوبين بالمرحلة الدراسية من خلال ملاحظة المعلمين لبعض الخصائص للطلاب الموهوبين التي تميزهم عن غيرهم كشغفهم بالأسئلة الكثيرة والمتميزة وحب القراءة والاستطلاع، وهنا يتوجب لفت الانتباه الى ان التدخل المبكر للكشف عن موهبة الطفل الكامنة يكون مجدياً أكثر من التدخل المتأخر لان ذلك يتيح للأسرة والمدرسة مجالا رحبا وواسعا لرعاية الطفل وتنمية موهبته مع الأخذ بالحسبان الفرق بين الموهبة والذكاء والإبداع .
وهناك أيضا قياس جماعي يجري بصفة دورية لقدرات التلاميذ العقلية وتحصيلهم الدراسي من اجل اكتشاف الأطفال الموهوبين والمتميزين وذلك من خلال وضع بعض الأسئلة التي تكشف الطفل الذي يستخدم الحس والمعرفة السليمة والذي يتعلم ويحفظ بسرعة وسهولة والطفل الذي يتصف بأنه يقظ وملاحظ جيد ويستجيب بسرعة والطفل الذي يعلم كثيرا عن أمور ومواضيع لا تعني الأطفال الآخرين .
وللمدرسة دور كبير وأهمية بالغة في رعاية الموهوبين والاهتمام بهم فهي الحضن التربوي الثاني بعد بيته الذي يقضي فيه الطفل ثلث يومه تقريبا ويمكن أن نوجز مهمة المدرسة بعدة أمور هامها وضع البرامج لاكتشاف هذه الموهبة مبتعدين عن النمطية
دور الأسرة ..
للأسرة دور أساسي في رعاية مواهب الطفل وهناك مهمات وواجبات يجب ان تقوم بها نحو مواهب أطفالها أهمها حاجة الطفل الى الحنان والحب فعندما يظهر الأهل محبتهم وتقديرهم واهتمامهم لأطفالهم الموهوبين يكسبون صداقتهم ويبنون معهم جسورا من الحب التي تنمي عندهم الثقة بالنفس وبالتالي يصبح طفلهم ذا عقلية واضحة ومنفتحة ما ينمي عنده القدرة على الموهبة والإبداع فموهبة الطفل غذاؤها الرئيس الحب فعندما يشعر الأهل طفلهم أنهم يصغون إليه ويبحرون معه في عالم الحنان تقوى شخصيته وتزداد موهبته، كما يتوجب على الاهل الانتباه الى ضرورة إجراء الحوارات والنقاشات مع أبنائهم والإجابة على الأسئلة كثيرة التي يطرحها طفلهم فالحب وحده ليس كافيا لبناء شخصية الطفل بل ينبغي احترام الطفل ومشاركته تجاربه وأفكاره وطروحاته بواسطة الحوار.
وتجدر الإشارة الى ضرورة عدم التباين الكبير في مواقف الوالدين تجاه الابن الموهوب فيجب التوازن في التعامل معه فالمبالغة في تقدير مواهبه قد تأتي مفعولا عكسيا كما أن عدم الاكتراث والتجاهل وانشغال الأهل بالأمور الأخرى قد يدفع بالموهوب الى الشعور بالضيق والمعاناة بسبب عوامل الكبت والحرمان وأحيانا يميل الأطفال الموهوبون الى العزلة التي تؤدي الى ضياع الكثير من الفرص والخبرات الناجحة وهو ما يوجب على الأهل النظر الى طفلهم نظرة شاملة ومتوازنة ومتكاملة، وعدم دفعه لحرق المراحل والقفز سنة دراسية او أكثر عن أترابهم لان النتيجة أن ما يكسبه الطفل من الناحية العقلية قد يخسره في نواح أخرى كالاتزان من الناحية النفسية وعدم تقبل الآخرين له من الناحية الاجتماعية.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي