خلق الله الإنسان من جسد وعقل ، فهما وجهان لعملة واحدة ، كلاهما وجهُ الآخر، و لا يصح الإنسان إلا بصحتهما و تمامهما، في غلبة أحدهما على الآخر خلل في التكوينة الإنسانية، فتوازنهما مهم جداً لفهم الحياة و سعادة الإنسان.
جسد الإنسان مخلوق متكاملُ الوظائف، لا شيءَ ينقصه، كل شيءٍ يحتاجه يجده و يعرف الطريق إليه، الجسد يسلك الطريق الصحيح المنتهي إلى صحته و سلامته و عافيته. و يعرف علاج نفسه من أي مرضٍ يعتريه، فهم عالم و حكيم بذاته.
حين نُصغي أنفسنا إلى أجسادنا و نستمع إليها و نرى ما تريده فإن أجسادنا لن تقوم إلا بما تحتاجه لا بما لا تحتاجه، بعكس العقل فإنه يقوم بما تمليه عليه القواعد و يوحي به إليه المنطق، فالعقل يسير حسبما يُعبَّأ فيه و يُوجَّه إليه، و أما الجسد فهو يسير من تلقاء ذاته ، مرجعية العقل خارجية ، فهو يستقبل التعاليم ، و أما الجسد فمرجعيته داخلية فينطلق من ذاته لبناء و صون ذاته . لذلك فالجسد لن يقوم بشيء فيه مضرة عليه مطلقا .
إلزام الجسد بالتزام قواعد العقل تدميرٌ له و سيطرة عليه ، و هو لا يقبل التعليمات الخارجية الصارمة ، و لا يرتضي لأحد أن يستغله ، لأنه سيقوم بعملية تُفسد كلَّ شيءٍ على المُسيطر ، عند إلزامه بنوع من الطعام ، وهو لا يحتاجه ، فإنه لن يقبله ، و إن ألزم عليه و أُجبرَ أدى ذلك إلى تمرُّضِهِ أو تقيؤه ، لأنه لا يتناسب مع حالته ، و لا يحتاج هذا الطعام ، فبناؤه غني عنه ، سيأخذ طعاماً مناسباً له إن احتاجه ، لأنه سيأخذ الطعام الذي يفيده لا الذي يرغبه . حين يتصرف الجسد في الطعام فإنه يأخذ من الطعام الكفاية لا الرغبة ، لكن العقل سيُجمِّل و يُحسِّن أنواع الطعام في عين الإنسان فيأكل ما لا يحتاجه الجسد و هنا تكون المشكلة في خلْقِ الأمراض و العلل الصحية . و عندما يُصاب الجسد بالمرض فإنه يُطهر نفسه بالمرضِ ليكون أصحَّ ، فليس المرضُ سلبيا في كل الأحوال ، و ربما جعل المرضَ مُضراً الدواء الذي يُستعمل للعلاج منه ، فالجسد تعتريه الأمراض لتطهره من نفايات الأغذية .
نقع كثيراً ضحية لأمراض و تعب جسدي ، و السبب في أننا نسيطر على الجسد و نسلبه تصرفه ، و لو تركنا للجسد التصرف لقام بكل شيءٍ كما يريده و على أحسن حال ، يتدخل العقل كثيراً في التحكم في الجسد ، في فرض نوع الطعام ووقته ، و في تحديد ساعة النوم ، و في وقت المشي ، و قد يكون ما يضعه العقل غير متناسب مع حاجة الجسد ، فإذا تعارض الجسد و العقل ، و غلبَ العقلُ الجسدَ اختلَّ الكيان الإنساني ، فبدأت عليه علامات مرضٍ أو ضعف . لكن إن ترك للجسد حرية التصرف ، و أن يفعل ما يشاء فإنه سيكون في الطريق الصحيح ، سيأكل متى احتاج للأكل ، و سيشرب متى أحتاج للماء ، و سينام متى رأى أنه في حاجة للنوم ، و حين يفعل الجسد ذلك فإنه يفعل ما يضمن صحته و عافيته .
كم نحن بحاجة إلى أن نُصغي إلى أجسادنا ، و أن نجعلها تقوم بما تحتاج إليه ، فقد كفاها أن سيطرت عليها العقول بالتعاليم المستوردة من الخارج ، ففي تعاليم الجسد الذاتية الكثير الكفيل بسعادة الجسد .
كذلك الإصغاء إلى العقل مهم ، لأن العقل قائد يبني قيادته على ما تخزَّن لديه ، المشكلة في العقل إن استسلم لكل تعليم من التعاليم و بدأ تطبيقه على الجسد ، هنا مكن المشكلة و خطورتها ، لا يستغني العقل عن التعلم ممن سبق ، لكن لا يستسلم و يكون الجسد هو الضحية ، وظيفة العقل تمحيص التعاليم ، و إدارة تطبيقها على الجسد ، هنا سيكون التكامل بينهما ، الجسد بلا عقل لا شيء ، و عقل خاوٍ لن يفيد الجسد ، و كذلك العقل الإمَّعة سيكون كارثة على الجسد ، و العقل بلا جسد صحيح لا شيء ، و الجسد المُهمَل و المُطلَق له عنانُه ربما يكون معطِّلا للعقل و وظيفته ، و إذا تعطلت وظيفة العقل لم يكن الإنسان ممتازاً عن غيره من ذوي الحياة من المخلوقات . لذلك فالموازنة بين الجسد و العقل و الإصغاء إليهما مهمة جداً . فبهما يكون التكوين الإنساني الكامل و الذي به تتحقق السعادة و الراحة .
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي