ما علاقة التفكير بالقبعات؟ ولماذا هي ست لا أكثر ولا أقل؟
سؤالان مهمان سيجد القارئ الكريم الجواب عليهما بعد قليل إن شاء الله.
كتاب: (قبعات التفكير الست)، واحد من كتب الدكتور ادوارد دو بونو، فمن هو ادوارد دو بونو؟ هو أشهر المختصين في (التفكير وتعليمه) في عصرنا الحديث.
ولد في مالطا عام 1933م، وحصل فيها على شهادة الطب، ثم حصل على الدكتوراة في الفيزيولوجيا وعلم النفس من جامعة اكسفورد العريقة، وهو محاضر في عدد من أكبر الجامعات في العالم، مثل: كامبردج، وهارفارد.. ألف (62) كتابا ترجمت إلى 37 لغة، وفي الانترنت أكثر من 4 ملايين احالة إلى كتبه، وذكر لاسمه، والحديث المفصل عنه يطول.
يقول المترجم: القبعات المقصودة هنا ليست حقيقية، ولكنها رموز على طرائق في التفكير، أي أنه لن يكون هناك لبس أو خلع لأي قبعة، وانما استخدام طريقة معينة في التفكير، فأنا الآن - مثلا - أتخيل أنني قد ارتديت القبعة البيضاء، وهذه القبعة تقتضي مني أن أفكر بطريقة معينة، ثم انتقل إلى لون آخر، كالأسود الذي يتطلب طريقة في التفكير مختلفة تماما عن الطريقة الأولى. (وسيأتي مزيد من التوضيح للطرائق الست).
وعلى الغلاف الخلفي للكتاب يقول المؤلف (أو الناشر) - ما اجتهد في ترجمته كما يلي: بشيء من التصرف: لا شيء أكثر إيلاما من ان تجد مجموعة من الناس الأذكياء، تدفع لهم رواتب عالية، يضمهم اجتماع أو ندوة، ينتظر كل واحد منهم المتكلم الآخر حتى ينتهي من كلامه، كي ينقض عليه بالنقض والتفنيد، أما إذا استعمل هؤلاء المجتمعون طريقة القبعات الست، فلن يسود هذا الجو من التوتر والأنانية، وسيستفيد الجميع من علم، وذكاء، وخبرة كل واحد منهم، ذلك ان الجدل لا يأتي بخير، لأن اصحابه يبحثون عن الغلبة لا عن الحقيقة.
نفترض ان هناك اجتماعا يضم عشرة اشخاص قد تدربوا بشكل جيد على طريقة القبعات الست، يبدأ مدير الجلسة، أو رئيس الاجتماع بقوله: دعونا جميعا نفكر بطريقة القبعة البيضاء.
1- القبعة البيضاء: هي التفكير بالمعلومات، والحقائق، والأرقام، والتساؤل، والسؤال. هي تحديد المعلومات التي نحتاج إليها، وحين تكون المجموعة في حالة تفكير (القبعة البيضاء) ويشذ أحد افرادها عن القاعدة، فعلى مدير الجلسة ان يلفت انتباهه، ويعيده إلى الدائرة، ويطلب اليه الالتزام بالحقائق.
في طريقة التفكير هذه نبدأ بجمع المعلومات، والبحث عن الحقائق والأدلة لنصل إلى النتائج، لا العكس، ويجب ان تكون المعلومات دقيقة، وان نتساءل: هل نحن نبحث عن الأدلة التي تؤيد وجهة نظرنا، أو عواطفنا، أو مصالحنا، أو اعتقادنا السابق، أم أننا نبحث بنزاهة، وحيادية، وتجرد؟.
قد يعجب الكثيرون منا من اليابانيين: كيف لا يجادلون، ولعلهم أيضاً يعجبون من الشعوب الأخرى: لماذا تجادل ؟! يأتي اليابانيون للاجتماع وليس لديهم أفكار مسبقة، يأتون للاستماع، والاستفادة والبحث عن الحقيقة، ويقدم كل واحد منهم معلوماته الموضوعية، فتتشكل بالتدريج قراراتهم الأقرب إلى الصواب، التي أسهم الجميع في بنائها، وبالتالي يتبنونها.
2- القبعة الحمراء: وهي تعني التعبير عن الانفعالات، والعواطف، والمشاعر، وتفسح المجال أمام الحدس والتخمين، إن كثيراً من كبار الموظفين يعتمدون على حدسهم في اتخاذ الكثير من قراراتهم، لكنهم لا يعترفون بهذا للعاملين معهم والتعبير عن العواطف قد يؤدي إلى تصادمها، بل غالبا ما يحدث هذا، لذا ينبغي علينا:
أولاً: ان نقر بوجودها.
ثانيا: أن نعرف انها توجه - في كثير من الأحيان - تفكيرنا في الاتجاه الخاطئ.. ثالثا: ان نضعها تحت المجهر الفاحص فنرد الخطأ منها، ونقبل الصواب.
ان مزية تبني طريقة القبعة الحمراء في التفكير عن قصد واختيار، تشعرنا ان هذا التبني مصطنع، فالعواطف - عادة - مستقرة في الأعماق ويصعب نزعها، أما حين نتقمصها عن قصد فيمكن نزعها في ثوان.
ان العواطف هي الخلفية التي تحدث في جوها المناقشات المنزلية، والمناقشات في العمل، ومناقشات الخصوم، فماذا يجدث لو أننا وصفنا في هذه الخلفية في الأمام، وسلطنا عليها ضوء الوعي، وحاولنا التحكم فيها؟.
لقد رأى أكثر القراء الكرام في بعض القنوات الفضائية مناظرات يندى لها الجبين، بين علماء، ومفكرين، وكتاب، أو بين حمقى، وجهلة.. في طفولة عقلية مخجلة. وسوءات فكرية منضرة، فما سبب هذا ؟!.
3- القبعة السوداء: هي قبعة الحكم السلبي على الأمور، ولكن لسبب، لذا يجب أن نوضح للقراء الكرام ان لا يخلطوا بين طريقتي القبعتين الحمراء والسوداء، ففي القبعة الحمراء قد نقدم نقدا مبنيا على الانطباعات والعواطف، اما في القبعة السوداء فينبغي أن يبنى على أسباب منطقية معقولة، اذن تفكير القبعة السوداء سلبي لكنه منطقي، انه ينظر إلى الجانب القاتم، لكنه يقدم الأسباب والمسوغات، انه تفكير مطلوب ومفيد، ولا يحسن التخلص منه، لأنه يسعى إلى تقديم الحقائق.
ومن مزايا هذه الطريقة في التفكير انها تخفف جدا من ميل الناس إلى الانتقاد، فنحن نقول للمجتمعين: الآن جاء دور القبعة السوداء، فليوجه كل منكم ما شاء من انتقاد، لكن بشرط ان يدعمه بالادلة، وبهذا نمتص إلى حد كبير عاطفة النقد السلبي، والتجريح، ونحولها إلى اتجاه ايجابي، ومن مزاياه أيضا انه يكشف لنا العيوب والاخطاء والاخطار - ان وجدت - لنتجنبها.
4- القبعة الصفراء: تبرز الجوانب الايجابية، تتساءل: لماذا ستنجح الفكرة، أو المشروع، أو الخطة، وتبين السبب الذي يدعو إلى هذا التوقع. انها أمل مبني على سبب، وفي الوقت الذي تحمينا فيه طريقة القبعة السوداء من الأخطار وتبعدنا عنها، تبعث فينا طريقة القبعة الصفراء السرور، وتحرك فينا دافع الفضول، لأنها تمكننا من اخراج الأفكار إلى حيز الوجود.
5- القبعة الخضراء: يذكر اللون الأخضر بالنبات، والعشب، والنمو، لذلك اختار دو بونو هذا اللون رمزا للابداع والابتكار، ان طريقة التفكير هذه تشمل تقديم الاقتراحات، والبحث عن بدائل، واكتشاف حلول جديدة، واثارة الفكر الراقد، وهي تتحرك من فكرة إلى فكرة.. وهناك أوقات نحتاج ان ندخل فيها ساحات التفكير الابداعي عن قصد وتعمد، لا ان ننتظر مجيئه.
وهذا النوع من التفكير يخرج بعض الناس من دوائر الأمان، دوائر الإلف، والسعادة والاستقرار، إلى ارتياد آفاق جديدة، واكتشاف أراضٍ لم تكتشف، والسفر في طرق لم تعبد من قبل.
6- القبعة الزرقاء: يقول دو بونو: ان لابس هذه القبعة يشبه قائد الفرقة الموسيقية (المايسترو) الذي يوجه العازفين، فهو يقول: نحتاج هنا إلى تفكير ابتكاري (أخضر)، أو عاطفي (أحمر)، أو حيادي (أبيض).. ان هذه الطريقة تبحث في نوع التفكير اللازم للوصول إلى النتيجة، فهي تفكير في التفكير، وقد تم اختيار اللون الأزرق ليصبغ هذه الطريقة لأن السماء زرقاء، وهي تظل كل ما تحتها، ولهذا فان لابس القبعة الزرقاء لا يفكر في الموضوع المطروح للبحث، انما يفكر: كيف يوجه التفكير اللازم للوصول إلى أحسن نتيجة.
هذه لمحة عجلى تجعل القارئ الكريم ملما بهذا الجانب من المعرفة التطبيقية، وقد يجد الفكرة سخيفة لأنه غير معتاد على ارتداء القبعات التي هي من خصائص الزي الغربي القديم، وقد يجد ان الكثير مما جاء في (الكتاب) قديم معروف، لكن المؤلف صاغه بأسلوب جديد، وقد يكون انطباع قراء آخرين مناقضا تماما لهذا الرأي.
وهذه هي الطبيعة الإنسانية، التي اقتضت مشيئة الله الحكيم وارادته ان تخلقها في الوجود.. والله تعالى أعلم.
منقول
* والسؤال هنا هل يمكننا أن نفعل ذلك في إجتماعاتنا الإدارية والعملية والأسرية , وحتى في المنتديـــات ؟
لاننسـى أنه يمكننـــا أن نستعيض بالقبعات بأشياء أخرى حتى لو بالطاقية , ولكن المهم هو الفكرة .
تحياتــــي
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي
أمس في 5:05 pm من طرف apprenant
