كل عام عندما تبدأ شتلات الأرز في الظهور في مزارع الأرز المتلألئة في تايوان، يكون الطلاب قد بدأوا في استعداداتهم النهائية لامتحانات دخول الجامعة، وتبدأ قصص الفزع والرعب. يعثر أحياناً على جثه طافية في النهر المليء بالقاذورات تحت جسر خرساني، أو يعثر أبوان قلقان في شقة في ضواحي تايوان على رسالة انتحار تركت على منضدة غرفة المعيشة فحواها (إني لا أستطيع مواجهة الامتحانات) ويسرعان إلى داخل المطبخ ليجدوا ابنهما قد انتحر بالغاز. وأحياناً كثيرة «يعرف الأبوان بالضبط لماذا تحدث المأساة: في 6 مايو قفزت «لي ينج - شيا»- طالبة في المراحل الأولية في مدرسة منجلن العليا في تايبي -من مبنى شاهق. كانت طالبة واثقة من نفسها ومفعمة بالحيوية، ونشطة ولم تترك رسالة انتحار. ومع أنه لا أحد يعلم بالضبط لماذا انتحرت، إلا أن سلطات المدرسة تقول إن «ليّ» قد حصلت على درجات سيئة في اختبار الممارسة. لقد أصبحت الانتحارات جزءاً من شعائر تايوان في الربيع تقريباً.
إن هذه الطقوس المميتة تنم عن أزمة فشت في أنظمة المدارس حول المنطقة. فما الذي حدث؟ لقد ظل الآسيويون دائماً فخورين بتعليم أبنائهم الذين يحرزون أعلى العلامات في العلوم والرياضيات في مقارنات على مستوى العالم. لكن من طوكيو إلى تايبي وسنغافورة أدركت الحكومات أن أبناءها متوترون بشكل مفرط، وأنهم غير معدين إعداداً جيداً لعصر المعلومات، حيث التفكير والإبداع يحتلان المقدمة. يشكو المعلمون ورجال التعليم الذين يؤيدون الإصلاح الشكوى نفسها: أطلب من طالب كوري أن يكتب مقالة مبدعة، أو طالب ياباني أن يطرح سؤالاً متحدياً، أو طالب من هونج كونج أن يسأل سؤلاً فقط فإنهم أحياناً كثيرة سيكونون غير قادرين على الخروج من النص والأطر المحددة لهم.
طرح كيشور ما حبوباني- مسؤول كبير في سنغافورة هو الآن سفير دولته في الأمم المتحدة- سؤلاً متحدياً في مؤتمر قائلاً: (هل يمكن أن يفكر الآسيويون؟) كانت لحظة رائعة من الشك الذاتي، لسنوات ظل قادة سنغافورة يتحدثون عن ميزة القيم الآسيوية، والتي جعلت من النظام التعليمي في آسيا أفضل منه على النمط الغربي، لكن هذا النظام نتج عنه عمال أكفاء ومطيعون تركوا أمر التفكير لرؤسائهم. استثمرت الحكومات بسرور في خطوط الإنتاج وناطحات السحاب وحتى في مباني المدارس، ولكنها أهملت تطوير وسائل التدريس الحديثة ومعلمي التدريب.
فماذا كانت النتيجة: إهمال شديد للمدارس الآسيوية أكثر مما في أي دولة أخرى، يحضر الأطفال حصصاً لنصف يوم في غرفة دراسة مكتظة جداً لدرجة الانفجار ومنشغلون انشغالاً شديداً بحفظ إجابات مضنية ليتعلموا كيف يفكرون في الكثير من غرف الدراسة الآسيوية يعترض التفكير في الطريق فعلاً.
خلصت الكثير من الحكومات الآسيوية إلى أن المتهم الرئيس هو الاختبارات. في تايوان أثارت الديمقراطية نقاشاً عاماً بشأن المدارس المتسلطة القديمة الطراز وبحلول عام 2002 تخطط الحكومة لهجر نظام اختبارات الجامعة الخانق الذي أدخل اليأس في نفوس الطلاب. ولعقود زمنية ظل اختبار الدخول هو العامل الرئيس في تحديد مصير مراهقي تايوان: يستعد الطلاب لمدة سنتين للاختبار بالدراسة في مدارس ليلية مكتظة. وإذا فشلوا في الاختبار لا يعوض عن ذلك أي قدر من السلوك الطيب في غرفة الدراسة أو العمل الدؤوب خلال العام. كان جيمس كوان، البالغ من العمر 19 سنة، خجلاً من نفسه عندما فشل في امتحان الدخول العام الماضي، توقف عن لعب كرة السلة حتى يدرس كل الوقت لإعادة الاختبار والذي اجتازه لتوه. يقول: ( إنه مشوار صعب). في المستقبل سيحدد دخول الجامعة بائتلاف من اختبارات، ويشمل أحدها اختباراً مماثلاً لاختبارات تحقيق المستوى (SAT)الأمريكية، والتي تقوم قدرة الطالب على تحليل المعلومات- اختبارات أهلية في مجالات محددة، وخطابات توصية من المدرسين.
تثير الإصلاحات موجة كبيرة من القلق والاهتمام.عبر بعض الآباء التايوانيين بأنه بدون اختبار مستوى واحد فإن النظام سيكون أقل عدلاً. كونت بعض المدارس المتقدمة لجان آباء ومدرسين لمراجعة خطابات التوصية لضمان عدم وجود الواسطات السيئة. يقول لاي هسيو- شي، سكرتير اتحاد آباء مدينة تايبي: ( بالطبع نحن مهتمون بمشكلات الميزات والتمييز. إن إفراد الطبقة العاملة يحترمون حقوقهم أكثر وأكثر في تايوان. أعتقد أن لديهم صوتاً مسموعاً وأعتقد أنهم سيستخدمونه).
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي