لقد هجم السياسي في الجزائر على كل الميادين و استغرق كل مضامينها و آخر هذه الميادين و الذي يعتبر في الأدبيات الحصن الحصين لكل مجتمع الجامعة.
تحدث وزير التعليم و البحث العلمي رشيد حراوبية في حصة منتدى التلفزيون ليوم 14/06/2008 على الساعة 21:00 عن حال الجامعة الجزائرية بنوع من الافتخار و الاعتزاز معتمدا لغة الأرقام و الحقيقة أن هذه الأخيرة لغة ماء متعددة الأوجه أو حمالة أوجه و ذلك بحسب مراد مستعمليها. محاولا بعث بصيص من الأمل لكل من الطالب و الأستاذ الجامعي أو ما يعرف بالأسرة الجامعية متغافلا الواقع المعيش رغم أن منشطة البرنامج صوريا بوعمامة ألقت الضوء على بعض الإشكالات لكن و للأسف باستهزاء كبير. كما أن الصحفيين الحاضرين طرحوا بعض الأسئلة الاستفزازية خاصة ما تعلق منها بأولاد الوزراء و دراستهم بالخارج.
و الحقيقة أننا لا نلوم معاليه لأنه لا يملك من أمره شيئا على اعتبار أن المحيطين به من الرعيل الأول الذي يعمل على إصلاح الجامعة كما أن بعضهم و بحسب معرفتنا بهم من ذوي التوجه اليساري الذين يعتمدون على مفهوم النقد أو الثورة الدائمة إلا إذا بدلوا تبديلا فلماذا هذا التعطل.
انطلاقا من نحاول أن نلقي الضوء على بعض الإشكالات التي يعيشها التعليم العالي في الجزائر محاولين تقديم قراءة سوسيولوجية لهذه الإشكالات.
الإشكال الأول و هو إشكال قديم جديد يتعلق بالخدمات الاجتماعية. هذه الأخيرة شهدت و تشهد نقصا فادحا في الهياكل و في نوعية الخدمات رغم ما تقوم به الدولة من محاولات لتحسينها و إذا كانت السيولة المادية متوفرة فإن إرادة العمل الجاد غير متوافرة لترسخ تقاليد معينة قللت من فعالية أداء هذا الجهاز الخدمي. و إذا كان البعض يحاول حصر العقبات في الجانب المادي أو المالي إلا أني أجزم أنه ليس بالسبب الرئيس و إنما الإشكال يكمن في عقلية البايلك و السلوكيات اللصوصية التي طغت على هذا الجهاز. تتمثل عملية البايلك في هدم كل الهياكل المقامة و التخريب خاصة الجديد منها كما أن سياسة الترميم تعاني من نفس الأمر مما يجعلها غير ذات فائدة تذكر. أما سلوك اللصوص فيتجسد في عدم شفافية الخدمات خاصة ما يتعلق منها بالإسكان و الإطعام، الأول يضم الخارجين عن الجامعة ممن لا يتمتعون بصفة الطالب الجامعي الذين حجزوا أماكن الطلبة، كذلك الطلبة الذين تحجروا في الجامعة ثماني و عشر سنوات عوض أربع سنوات. أما الثاني فيتعلق بكيفية تسيير الصفقات و عمليات النهب التي تتم قبل و أثناء و بعد إبرام الصفقة. و الحقيقة أن هذا الإشكال لا يمكن فضه بالسهولة المتوقعة لوجود طرف أساسي متواطئ فيه و هم الطلبة أنفسهم خاصة المنظمات الطلابية التي أقامت علاقات زبونية سواء مع الإدارة أو مع متعهدي الصفقات و المشاريع المقامة و أتذكر هنا حاثة وقعت في إحدى الجامعات حيث قام الطلبة بإضراب كبي وصل إلى حد الهجوم على رئاسة الجامعة بحجة نقص التأطير وهذا نادرا ما يحدث و طالبوا بإقالة رئيس الجامعة بحجة عدم امتلاكه للمؤهلات العلمية خاصة شهادة البكالوريا إلا أن الأسباب الحقيقية لهذا الإضراب كانت تتعلق بإيجار محلات جامعية لمنظمة طلابية بذاتها رفض رئيس الجامعة تجديد عقد إيجارها لهذه المحلات.إذن فالإشكال قائم على علاقة شبكة مصلحية (réseaux d’intérêts) لا يظهر منها إلا الآثار مثل نقص النقل، الهياكل، الميزانية في حين أن هذه الآثار هي نتيجة للعلاقات المصلحية و الزبونية التي استطاعت ترسيخ منظومة عمل لا يمكن إصلاحها بمجرد سن ترسانة من القوانين كما أنه لا يمكن إصلاحها لا بالاختراق و لا بالمواجهة المباشرة لتعدد أطرافها و هم الإدارة، الطلبة و متعهدي الخدمات...
الإشكال الثاني يتعلق بالتكوين الذاتي ذاته هذا الأخير أصبح لا يلبي تطلعات الطلبة و لا الأستاذة و هو متأثر في أصله بالمنظومة التربوية التي تميعت و تسيست إلى أقصى الحدود. و عليه يمكننا القول أن مسألة التكوين أصبحت غير ذات جدوى و فيما يتعلق بظهور بعض النوابغ فإننا نؤكد أنه مجهود فردي من قبل بعض الطلبة أكثر منه نتاج التأطير الجامعي خاصة في ميدان العلوم الإنسانية و الاجتماعية التي أصبحت تستقطب الأعداد الهائلة للطلبة و الحقيقة أن سياسة الدولة في التعليم العالي تتعلق ببعث الأمل في نفس الطلبة أكثر من كونها مسألة تكوين و تأطير و لا يمكن وصفها بأكثر مما قاله أحد المختصين في علم الاجتماع بكون الجامعة عبارة عن حضانة للكبار (garderie d’adultes).
الإشكال الثالث و يتعلق بمسألة البحث العلمي هذا الأخير لم يحظى بالاهتمام البالغ لا من قبل الدولة و لا من قبل المختصين على قلتهم رغم ما يقال عن المبالغ المالية التي تنفق عليه و ما نود التطرق له هنا هو ماذا نفعل بالبحوث المنجزة و ما هي الحقول المركز عليها فالملاحظ أن عملية البحث تتم بطريقة زبونية و علائقية أكثر منها علمية و استعمالية. كذلك البحوث المنجزة يكون مآلها إلى الرفوف أكثر من توجهها إلى التطبيق العملي و الفعلي.
هناك العديد من الإشكالات الأخرى التي يندى لها الجبين تتعلق بالجانب الأخلاقي الذي تطرق له الوزير مركزا على وضعية الطالبات في الأحياء الجامعية كذلك مسألة المنح العلمية و النشر العلمي و غيرها من المواضيع الحساسة.
و في الأخير نؤكد أن الحياة الجامعية عامة في الجزائر طغى عليها الجانب السياسي و العلاقات الزبونية و غابت عها المهنية و العلمية إلا ما رحم ربك. و لذلك نرى أن عملية الإصلاح أصعب مما هو متوقع فلا يكفي وجود مشاريع و توفير الأموال و إنما وجود الرجال الأكفاء و الإرادة لا نقول العلمية و إنما السياسية.
نعيم بن محمد
26 جوان 2008
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي