حماس وفتح .Vs القضية الفلسطينية !!
الإثنين ، 4 أغسطس ، 2008
الكاتب : فهد الحازمي | تحت تصنيف: تأملات وخواطر،ثقافة ومجتمع،عام
عدد التعليقات : 14
ما زلت أتذكر التغطيات التلفزيونية المؤثرة للانتفاضة الفلسطينية التي حدثت عام 2000 م ، وأتذكر تلك الحجارة المهترئة والجيب الإسرائيلي، وما زلت أتذكر ذلك الطفل النحيل الذي يقف بحجارته أمام دبابة إسرائيلية، وذلك الأبُ المسكين وخلفه ابنه محمد وهو يستغيث بهم ألا يقتلوه، حتى وقع ابنه شهيداً ، ما زلت أتذكر ذلك المجاهد القابع على الكرسي الشيخ أحمد ياسين رحمه الله تعالى،
شريط طويل من الصور التي تتكرر في ناظري كلما سمعت باسم فلسطين، أو شاهدت ما يذكرني بفلسطين، تاريخ حافل من التضحيات والدماء، والجهاد والكفاح الذي لم يبلغ غايته بعد، لكنه قدم مئات الآلاف من الشهداء، وأبقى الملايين من الصامدين والمكافحين في سبيل نصرة هذه القضية.
أما اليوم… فقد أتى زماننا هذا بالعجائب!
فقبل يومين حاصرت حماس حي الشجاعية بغزة، واعتقلت العشرات إثر هذه المداهمة، وإثر ذلك سمحت إسرائيل للقيادي بحركة فتح أحمد حلس و150 من أفراد عائلته بالعبور من القطاع وتلقي العلاج بمستشفياتها!! نعم لقد ذهب إلى (إسرائيل) الأمس التي لم تتغير.
هذه العملية جاءت كنتيجة لمسلسل طويل من الصراع الفلسطيني- الفلسطيني، بين حركتي فتح وحماس أبرز الحركات الوطنية المناهضة للاحتلال، فماذا حصل في القضية الفلسطينية من تحولات نوعية خلال الثلاث سنوات الأخيرة ؟!
حينما فازت حماس بالانتخابات الحرة والنزيهة عام 2006م جاءت إلى سدة الحكم وهي لا تملك في ماضيها من الخبرة السياسية ما يؤهلها لخوض غمار الأحداث، ولكنها بالرغم من ذلك طرحت العديد من المبادرات السياسية، ولأن الإخوة في حركة فتح المتربعين على الكرسي من القديم تفاجؤوا كثيراً بهذه الصدمة ولم يستوعبوا الوضع الجديد، فقد اعتبروا هذا هزيمة لهم ولمشروعهم التفاوضي المعروف أمام الشارع الفلسطيني، والذي -حتى اليوم- لم يؤدي إلى أية نتائج نوعية بخصوص القضية، وتحوّل الأمر لديهم إلى أشبه بالعزائم والولائم في مختلف دول العالم.
بدأت المضايقات المتعددة لحركة حماس كنوع من الضغط عليها لقبول المعطيات الأمريكية النابعة من مصالحها بالمنطقة، والمغلفة طبعاً ب “الاعتراف بإسرائيل” ، فقد أعلنت أمريكا أنها لن تتعامل مع حركة إرهابية، وهكذا تعبتها الكثير من دول العالم الأوروبية، وهذا الخطاب للأسف مُضمن في خطاب بعض الدول العربية، ومن الداخل فقد قامت حركة فتح بدورها في التضييق على حركة حماس تحول دون ممارسة صلاحياتها الجديدة، وأدركت إسرائيل أنها في خطر مادامت حركة حماس على الكرسي، فعززت من علاقتها مع حركة فتح داعمة لها بالمال والسلاح، وأكثرت من وجبات العشاء للرئيس الفلسطيني ، والتي يسمونها بجولات المفاوضات، وهذا يحصل في ظل جرائم الفساد في حركة فتح والتي ينتشر ريحها يوماً بعد يوم، وكذلك في ظل التهميش الكامل لحركة حماس عن طريق مقاطعتها من قبل جميع الفصائل الفلسطينية لتحول دون تشكيل حكومة توافقية، بل وصل الأمر إلى تهميش الحركة دون ممارسة الصلاحيات الأمنية،
..عندها قامت حماس بإنشاء قوة تنفيذية خاصة تابعة لها، ومن اليوم الذي بدأت تنشرها في الطرقات بدأت الاشتباكات بين فتح وحماس، ومن هنا بدأ الدم الفلسطيني ينسكب بارداً، وبدأت الاعتقالات المتبادلة، وظهرت محاولات الاغتيال لهنية أو عباس، وصارت السوق مفتوحة لكل من يزايد على القضية الفلسطينية ، لأن الكل يريد لفلسطين أن تتحرر من الآخر!.. مما آل بحركة حماس في آخر المطاف إلى “عملية الحسم” -كما يحلو لهم تسميتها- في قطاع غزة ، وصار القطاع بيد حماس (وإن كان هذا هو الأصل، لأنها في منصة الحكم بالانتخابات الشعبية).
طبعاً أثناء هذه الأحداث قامت العديد من المبادرات العربية لدعم التوافق الفلسطيني ماراً باتفاق القاهرة ، ثم اتفاق مكة، ثم اتفاق صنعاء وغيرها، لكن جميع هذه الاتفاقات للأسف لم تسجل إنجازاً ملموساً بعيد المدى، ولا يمكن عندها بحال من الأحوال أن يكون العرب فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم! وصار مفتاح القضية تماماً بين يدي فتح وحماس لا غير.
لقد صارت القضية الفلسطينية في القاموس الفتحاوي أن يتم القضاء على حركة حماس ونفيها من الوجود، لأنها إرهابية ، ولا تحترم القوانين والمواثيق الدولية، ولأنهم لا يحضرون وجبات العشاء عند أولمرت كما يفعلون هم، وصارت القضية الفلسطينية عند القاموس الحمساوي هو في عزل حركة فتح لممارسة الصلاحيات المخولة للرئاسة،
وهكذا.. تذوب القضية الفلسطينية في قضايا فرعية كثيرة، ويتلاشى العدو الإسرائيلي من المسرح العالمي، وهكذا تكون قضيتنا قرباناً لمصالح خائسة ، ودنيا زائلة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخيراً، من المستفيد من الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس؟
هل يتصور الإخوة في حماس أو في فتح بأن نهاية الطرف الآخر هي انتصار القضية الفلسطينية؟ وهل يتصور الإخوة الكرام بأن الاعتقالات والدماء التي تُسكب بالسلاح الفلسطيني ستكون سُلماً نحو الانتصار على العدو الإسرائيلي؟
كلي أمل أن يفهموا جيداً ، أن قدرتنا على هزيمة أعداءنا الذين نراهم ليست إلا حثة تراب مقابل قدرتنا على هزيمة الأعداء الذين يقبعون في دواخلنا، هزيمة أهوائنا وأطماعنا ، فحينما تهزمنا النزعات البشرية الهشة التافهة، وتودي بنا في منزلق قتال الإخوة والبلد الواحد، فبالله كيف سنهزم الجيوش الحقيقية ؟!
كلي أمل أن يفهموا جيداً ، أن المستفيد الأول من هذا الاقتتال هو العدو الصهيوني (إذا لم يكن هنالك مانع لدى “بعض” الإخوة في فتح في تسميتهم بالعدو) وأن ما يقومون به هو لا محالة نابع من مطامع وأهواء تتستر بالفضائل !
كلي أمل بأن يكون الإخوة في حماس قد استفادوا من تجربتهم السياسية الأولى ، وأن يكونوا مدركين جيداً لثمن الكراسي الذهبية مقابل المبادئ العليا، وأن يكونوا على قدر من المسؤولية والإدراك بأهمية مراجعة الماضي والاستفادة من أخطائه الكبيرة.
كلي أمل ، بأن يكون للفلسطينيين عموماً قدر من الوفاء لقضيتهم ، يحتم عليهم الضغط الكبير باتجاه حركتي فتح وحماس أن يكفوا أيديهم، ويقاتلوا الفئة التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله ويصلحوا بينهم بالعدل ويقسطوا فالله يحب المقسطين.
وأخيراً، كلي أمل بألا تذهب ريح القضية في هذا التنازع الداخلي، وإن كانت هذه سنة الله تعالى الجارية على الكون يوم بدأ الخلق ، قال تعالى ” ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ” (سورة الأنفال)
فهل سيعود الماء للمجرى؟!
من يدري !