الدكتور حمدان رضوان: باحث واكاديمي فلسطيني
أولاً- مفهوم عملية النطق:
هي نشاط اجتماعي يصدر عن الفرد بقصد التواصل مع الآخرين، وتعتبر من أعقد العمليات الدماغية، والعضوية التي يقـوم بها الإنسان، ويشترك فيها المرسل والمستقبل. ومن أجل أن تتم هذه العملية يجب أن تتوفر القدرات الآتية عند الإنسان: القدرة السمعية، والقدرة العقلية، والقدرة العصبية، والقدرة العضلية، علاوة على سلامة أعضاء النطق.
وتشير الدراسات المتقدمة في فسيولوجيا النطق والكلام، وعلم النفس اللغوي إلى أن وظيفة اللغة والكلام تتأثر بالعديد من الوظائف العضوية المتكاملة للأعضاء الآتية:
- أعضاء الصوت والكلام: ومهمتها استقبال المنبهات السمعية والبصرية، ونقلها إلى الدماغ عبر مسالك سمعية وبصرية، من أجل فهمها وتفسيرها، وتنظيم الإجابة الكلامية المناسبة لها.
- أعضاء التنفيذ: وتمثل هذه الوظيفة أعضاء النطق، مثل الحجاب الحاجز، والجهاز التنفسي، والحنجرة، والأحبال الصوتية، واللهاة، والأنف، والفم، والشفاه، وسقف الحلق، واللسان، والفكين، والسنان، والحنك الصلب، والحنك اللين.
- أعضاء التنظيم الوظيفي والمركزي: وتتمثل في الجهاز العصبي القشري، ونصفي كرتي المخ، والنوى العصبية تحت قشرية، والأعصاب الدماغية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن جميع الأعضاء السابقة تخدم أغراضاً أخرى غير أغراض النطق والكلام.
ثانياً- أهم عيوب النطق والكلام:
1ـ العيوب الإبدالية الجزئية (اللثغة): وفيها يستبدل المصاب حرفا واحدا من الكلمة بحرف آخر، مثل: استبدال حرف الغين بحرف الراء، فيقول (تمغين) بدلا من (تمرين)، أو حرف الثاء بحرف السين، فيقول (ثبورة) بدلا من (سبورة).
2 ـ العيوب الإبدالية الكلية: وفيها يستبدل المصاب الكلمة كلها بكلمة مغايرة، كأن يقول: (كوسة) ويقصد بها (جاموسة).
3 ـ اللجلجة في الكلام (الفأفأة أو التلعثم): وهو تكرار حرف واحد مرات عدة دون مبرر لذلك، مثل قوله لكلمة) فول) فيرددها (ففففففول)، أو كلمة (وردة) فيقولها: (وووردة).
4 ـ عسر الكلام أو (العي): وفيه يستغرق المريض فترة صمت في بدء الكلام رغم ظهور محاولاته للنطق، ثم يعقب ذلك النطق الانفجاري السريع، وهو حالة يعجز فيها الفرد عن النطق بأي كلمة بسبب توتر العضلات الصوتية وجمودها، ولذلك نرى الفرد الذي يعاني من العي يبدو كأنه يبذل مجهوداً خارقاً حتى ينطق بأول كلمة في الجملة، فإذا تم له ذلك يندفع كالسيل حتى تنتهي الجملة، ثم يعود بعدها إلى نفس الصعوبة حتى يبدأ الجملة الثانية وهكذا. ومن الثابت علمياً أن أغلب حالات العي أو عسر الكلام تعود إلى أسباب نفسية، وإن كان بعضها تصاحبه علل جسمية كالتنفس من الفم، أو اضطرابات في الجهاز التنفسي أو تضخم اللوزتين أو لحمية في الأنف إلى غير ذلك.
5 ـ الخمخمة في الكلام: وهو خروج الكلام من الأنف كما يقال.
6 ـ السرعة الزائدة أثناء الكلام أو القراءة: وهو التحدث بسرعة، ونقص الزمن المستغرق في الكلام، أو في القراءة عن الزمن الطبيعي، وهذا ناتج غالباً عن اضطراب في التنفس.
7ـ التلعثم: ويقصد به عدم قدرة الطفل على التكلم بسهولة فتراه يتهته، ويجد صعوبة في التعبير عن أفكاره. فتارة ينتظر لحظات حتى يتغلب على خجله، وأخرى يعجز تماماً عن النطق بما يجول في خاطره. والتلعثم ليس ناشئاً عن عدم القدرة على الكلام فالمتلعثم يتكلم بطلاقة وسهولة في الظرف المناسب أي إذا كان يعرف الشخص الذي يكلمه، أو إذا كان أصغر منه سناً أو مقاماً.
ثالثاً- أسباب اضطرابات النطق والكلام:
هناك العديد من العوامل التي تتسبب في حدوث هذه الاضطرابات، منها:
1 ـ أسباب عضوية: كنقص أو اختلال الجهاز العصبي المركزي واضطراب الأعصاب المتحكمة في الكلام، أو إصابة المراكز الكلامية في المخ بتلف أو نزيف أو ورم أو مرض عضوي.
2 ـ أسباب جسمية وعصبية: ومنها، تشوه الأسنان، والضعف الجسمي العام، وانشقاق الشفة العليا، ووجود زوائد أنفية، ونقص السمع الذي يجعل الطفل عاجزاً عن التقاط الأصوات الصحيحة للألفاظ، وتضخم اللوزتين. ويؤكد بعض العلماء، وبخاصة (ماس وكوب( على أن هناك تلفاً في بعض أجزاء المخ، وبخاصة في مناطق الكلام، نتيجة لولادة متعسرة، أو الإصابة ببعض الأمراض.
3 ـ سوء التغذية.
4 ـ الضعف العقلي و تأخر النمو.
5 ـ أسباب نفسية: وهي كثيرة ومتنوعة، منها: القلق، والخوف، والتوتر النفسي، والشعور بالنقص، والصراعات النفسية اللاشعورية بسبب التربية الخاطئة، وفقدان الثقة بالنفس نتيجة الفشل المتكرر.
6 ـ العوامل الوراثية: وهذه الاضطرابات أكثر شيوعاً بين الأفراد الذين عانى أحد والديهم أو أقاربهم عيوباً كلامية. وأحياناً تكون الوراثة عاملاً ممهداً للإصابة.
7 ـ أسباب أخرى، مثل: التحدث مع الطفل في موضوع لا يفهمه فلا يجد ما يعبر به فتكون اللجلجة وسيلة كلما ضاع منه اللفظ المناسب، ومثل عدم تصويب أخطاء الطفل اللفظية بل وتشجيعه عليها، فيقول: مرضان بدلا من رمضان، ويقول "أنا آكل لا" بدلاً من: "أنا لا آكل"، ومنها نشأة الطفل بين من يعانون من عيوب النطق فتلحق به، ومنها أيضاً تعليمه لغة أخرى غير العربية قبل سن السادسة، فينشأ عنه تداخل اللغات، فيفكر بلغة ويتحدث بأخرى ولا يستقيم لسانه عندما ينطق بلغته ولا يشعر بالتجاوب مع الآخرين.
رابعاً- الآثار الناتجة عن عيوب النطق والكلام:
تترك اضطرابات النطق والكلام آثاراً متنوعة وعديدة على المصاب، منها:
1 ـ تعرض الطفل للسخرية والاستهزاء من الآخرين؛ مما يزيد من ثورات غضبه وانفعاله.
2 ـ حرمان المصاب من بعض الفرص الوظيفية والمهنية المرغوبة.
3 ـ الشعور بالنقص، والخجل والحرمان من فرص النجاح والزواج.
4ـ يواجه المصاب مشكلات في أثناء تعليمه، بخاصة إذا ما كان المعلم غير مؤهل للتعامل مع طلاب لديهم مشكلات واضطرابات عيوب النطق والكلام.
5 ـ في بعض المواقف لا يستطيع أن يبدي رأيه بالشكل المطلوب، ولا يستطيع الدفاع عن حقوقه، وهذا قد يؤدي إلى ردود فعل عكسية.
خامساً- علاج اضطراب النطق والكلام:
هناك طرق وأساليب عدة لعلاج هذه الاضطرابات، منها:
1ـ العلاج النفسي: ويهدف إلى علاج مشكلات الطفل النفسية، من خجل وقلق وخوف، وصراعات لا شعورية، وذلك لتقليل الأثر الانفعالي والتوتر النفسي للطفل، ولتنمية شخصيته ووضع حد لخجله وشعوره بالنقص، بالإضافة إلى تدريبه على الأخذ والعطاء حتى نقلل من ارتباكه.
2 ـ العلاج الكلامي: وهو علاج ضروري ومكمل للعلاج النفسي ويجب أن يلازمه في أغلب الحالات. ويتلخص في تدريب المريض ـ عن طريق الاسترخاء الكلامي والتمرينات الإيقاعية وتمرينات النطق ـ على التعليم الكلامي من جديد بالتدريج من الكلمات والمواقف السهلة إلى الكلمات والمواقف الصعبة، وتدريب جهاز النطق والسمع عن طريق استخدام المسجلات الصوتية. ثم يتم تدريب المصاب على تقوية عضلات النطق والجهاز الكلامي بوجه عام.
3 ـ العلاج التقويمي: وذلك بوسائل خاصة تستخدم فيها آلات وأجهزة توضع تحت اللسان.
4 ـ العلاج الاجتماعي: ويهدف إلى تصحيح أفكار المصاب الخاطئة، المتعلقة بمشكلته، كاتجاهه نحو والديه، ورفاقه، والبيئة المحيطة به، وتوفير الحاجات الخاصة به.
5 ـ العلاج الجسمي: ويهدف إلى التأكد من أن المريض لا يعاني من أسباب عضوية خصوصاً النواحي التكوينية والجسمية في الجهاز العصبي، وكذلك أجهزة السمع والكلام، وعلاج ما قد يوجد من عيوب أو أمراض سواء كان علاجاً طبياً أو جراحياً.
6 ـ العلاج البيئي: يقصد به إدماج الطفل المريض في نشاطات اجتماعية تدريجياً حتى يتدرب على الأخذ والعطاء، وتتاح له فرصة التفاعل الاجتماعي وتنمو شخصيته على نحو سوي، كما يعالج من خجله وانزوائه وانسحابه الاجتماعي؛ ومما يساعد على تنمية الطفل اجتماعياً العلاج باللعب والاشتراك في الأنشطة الرياضية والفنية وغيرها. كما يتضمن العلاج البيئي إرشادات للآباء القلقين إلى أسلوب التعامل السوي مع الطفل؛ كي يتجنبوا إجباره على الكلام تحت ضغوط انفعالية أو في مواقف يهابها.
ومن هذه الإرشادات والنصائح:
1 ـ اعرض الطفل على طبيب متخصص لعلاجه إن كان السبب عضوياً، مع الاهتمام بتغذيه.
2 ـ تحفيظ الطفل القرآن الكريم، أو على الأقل السور القصار منه كي يستقيم لسانه، ويصح نطقه للحروف.
3 ـ التوسط بين القسوة الزائدة والتدليل الزائد.
4 ـ الانتظار حتى ينطق الطفل بما يريد ويعبر عنه بما شاء، وعندما ينطق ينبغي تحمله والصبر عليه خاصة عندما يجد مشقة في التعبير عن نفسه أو عمن حوله.
5 ـ لا سخرية ولا ضحك على كلمة غريبة ينطقها الطفل لئلا يصاب بإحباط وخوف من أن يخطئ فيكون منه بعد ذلك ألا ينطق أمام أحد بشيء، و لكن ينبغي أن نبث الثقة والطمأنينة في نفسه.
6 ـ لا تتحدث مع الطفل في موضوع أكبر من إدراكه لا يفهمه، ولا يستطيع التعبير عنه.
7 ـ مشاركة الطفل لأقران في مثل سنه يخرجه من الانطوائية، ويساعده على اكتساب مهارات النطق السليم.
9 ـ الاستماع إلى الطفل باهتمام وإعطاؤه العناية الكافية حتى يعبر عن نفسه بمنطقه هو لا بمنطق الكبار.
10 ـ تدريب الطفل على الاسترخاء والتحدث ببطء.
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي