قبل فوات الأوان .. لا تفصل بين الحياة والدين
*hachem the best
يوم ولدت حصلت على هديتين ثمينتين دون أن أسأل: الحياة والإسلام، لن أستطيع أن أعبر عن عمق شكري لوالدي على هدية الحياة، وأنا منذ طفولتي أقدرها وكان قبولها متعة بحد ذاته وهي كنز مره دائماً حلو.
أما الإسلام فكان قبوله صعباً، لأنه كان محاطاً بغلاف عبارة عن أوراق رسمت عليها، منذ الرسالة النبوية حتى الآن، آلاف الأيادي، فتاوى ومسابقات في التحليل والتحريم تشبه دهاليز باردة مظلمة خفت أن أدخلها، فهي بغض النظر عن بردها ظلامها، وجدتها سلبية سطحية في محورها. فرفضت هذه الهدية أو بالأصح وضعتها في زاوية بعيدة لربما تغريني يوماً من الأيام.
ومع مرور السنن رأيت أنني لن أستطيع أن أفصل بين حياتي وديني (أو عدم وجوده).
فلتقييم الأول أحتاج إلى الثاني فعزمت على قراءة أوراق الغلاف كلما تقدمت فيها ازداد اشمئزازي وأخذ عقلي يغلق على فهمي ومزقتها واتجهت نحو الجوهر الذي هو القرآن، مستندة بذلك إلى التفسيرات المشهورة ولكنها فسرت الماء بعد الجهد بالماء. لجأت حينها إلى ترجمات في ثلاث لغات أتمكن بها، مما يسر أمري وساعدني على استيعاب الرسالة. وبعد عشرات من السنين وصلت إلى ميناء اليقين وقبلت الهدية الثانية وسلمت قلبي وذاتي لله. ولكن سؤالي هو: لماذا وضعنا أنفسنا بهذه البساطة والسذاجة تحت رحمة هؤلاء الذين يدعون بكل السلطة، لتحديد المكروه والمستحب.
أنحن نخاف أن نفهم من تلقاء أنفسنا وما هي الجريمة إذا أخطأنا بالوضوء أو لم نكرر بضع الآيات ((المستحبة)) صباحاً ومساءً؟
لماذا نعتقد أن المفسرين معصومون عن الخطأ؟ فالنص ليس منهم وهم معرضون أن يغلطوا مثلنا وإذا أرادوا التفسير فليدرسوا على الأقل فلسفة الدين والتفكير التجريدي لتتوفر عندهم القدرة على إقناعنا عندما يفسرون.
وهنا أعود مرة أخرى إلى الأكثرية الصامتة التي تعلم بوجود الخطأ ولكنها لا تعمل على تصحيحه.
هل باستطاعتنا أن ننكر أن هناك رجعية تغزو الإسلام وهي مبنية على طمع في التدين لعب به المفسرون دوراً مهماً، يوزعون توصياتهم ((بالمستحب والمكروه)) كما لو كانت بوالص تأمين طالبين منا أن نتبعها دون أن نطرح أسئلة خوفاً من أن نرى النقص والتقصير.
الإسلام بحر واسع قد يصعب على المرء أن يتبعه حرفياً طالما يعيش في مجتمع حكم الله عليه بالتطور. وأنا شخصياً اخترت أن أضع أولويات آملة أنها لا تتناقض مع الجوهر طالما أنا مؤمنة بالرسالة وممارسة لها، ولن أنتهز ديانتي لكي ألحق الأذية بأحد، محبة للخالق وخلقه.
إيماني مبني على خيار مقصود وليس على عادة ترعرعت عليها.
أكتب هذه السطور ليعلم سلفاً كل مَن يعيّرني بالكفر أنني لا أستطيع أن أعتنق عقيدة دون أن أفهمها.
إن الدين يسرٌ وليس عسراً والأعمال بالنيات.
لجوئي للإيمان لم يكن بديلاً لعلاج نفساني ولا طمعاً بمكان مفضل في الجنة لم يطلب منا الله أبداً أن نقلد الرسول ومَن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه. حان الوقت أن ننظر إلى الرسالة عبر نظارات صنعت في عصرنا إذا ما كنا نريد تفادي مرور الزمن عليها، ونبقيها حيوية عندما نرفض ربطها بتفسيرات راجعة إلى فترة تاريخية زالت.