freeman المـديـر العـــام
عدد المساهمات : 19320 تاريخ التسجيل : 05/01/2011 العمر : 64 الموقع : http://sixhats.jimdo.com/
| موضوع: تأثيرات العقل الباطن على أنماط السلوك الإنساني الإثنين يونيو 20, 2011 12:17 am | |
| تضايقت كثيراً عندما أشاح صديقي بوجهه عني وأظهر لي عداءً شديداً لم أعهده فيه وأكثر ما أغضبني ، أنني لم أفعل ما يستوجب ردة فعله هذه فقد كنت راقياً جداً في تعاملي معه ورغم ذلك حدث هذا الموقف ، حاولت أن أستفهم منه عن سبب هذا الصدود فلم يعرني انتباهه .
لقد تألمت كثيراً وأكثر ما أحزنني أنني لا أعرف سبباً لذلك حاولت أن أستشير أكثر من صديق عن سبب ما يحدث فلم أجد لديهم ما يشفي غليلي ، إلا واحداً منهم فتح لي نافذة الأمل عندما حدثني عن العقل الباطن وحاول ربطه بما يحدث لي . من وقتها وأنا أحرص في جميع تعاملاتي على هذا العقل اللاواعي أكثر من حرصي على العقل الواعي بعد أن تبين لي أن صديقي الذي جافاني يحمل لي في عقله الباطن صورة سيئة جداً نتيجة تراكم خبرات قديمة لم أحاول إزالتها قد تكون نقلت له من شخص مغرض أو لأي سبب آخر ، مما جعلها تطغى على تصرفاته وتفلسف له كل موقف أكون أنا شريك فيه ، فأصبح يفسر كل كلمة وكل تصرف مني وفق ما هو مخزن في عقله الباطن ، وعندما نجحت في مسح كل هذه الخبرات السابقة السيئة واستبدلتها بخبرات جديدة تظهرني بثوب الملاك الطاهر ، عندها أصبح كل خطأ مني له ما يبرره وآلف زلة لسان تغتفر .
العقل الباطن كما أعتقد ويعتقد كثير من الفلاسفة من أكبر معوقات انجاح التغيير الإيجابي لمنظومات العمل القديمة فالعاملين الذين مارسوا العمل لفترة طويلة بطريقة معينة سوف يترسخ في عقلهم الباطن أنها من أنجح الطرق لتسيير العمل كونهم هم من ابتكرها أو على الأقل تدربوا عليها وتغلغلت في حنايا عقولهم الباطنة وعلى ضوء ذلك سيقابلون كل تغيير حتى لو كان ايجابياً بهجمات مضادة ؛ قد تكون شرسة للبقاء على النهج القديم الذي يرونه مجداً ذاتياً ومنجز تحقق على أيديهم لا ينبغي التفريط فيه بسهولة لذلك ينبغي على القائد الجديد لمثل هذه المنظومات القديمة أن يتحلى بالصبر والأناة وهو يحاول التغيير بشرط أن تكون بدايته من العقل الباطن كونه اللاعب الرئيسي في مثل هذه الحالات وبقدر نجاحه في بث قناعات جديدة لماهيته وأخلاقياته ومحبته لكل من حوله وتقديمه مصالحهم على مصالحه الشخصية وإظهار قوته في الحق متبعاً ذلك بتمجيد منجزاتهم السابقة واعتبارها نقطة الانطلاق لمنجزات جديدة تتحقق على أيديهم يكونون هم وقودها وسر نجاحها وإن اختلفت الوسيلة لتحقيها وعدم التقليل من فكرهم القديم واعتباره رائعاً في فترة من الفترات لكن التغيير من سنن الحياة ؛ بقدر ما سوف يتحقق من نجاحات وابداعات على يديه وبنفس العاملين السابقين .
إن ركون هذا القائد لامكانيات العقل الباطن وتأثيراته المذهلة ستقوده للنجاح الحتمي بعد توفيق الله سبحانه وتعالى وتغاضيه عن ذلك سيقوده للفشل لأن خصمه المتمثل في العقل اللاواعي قوي جداً وقادر على إحباط كل مخططاته الرامية للتغيير بما يبثه من صور سيئة جداً عن استبداده وفوقيته ونرجسيته وحرصه على نسف كل المنجزات المتحققة على يد سلفه ، في مقابل تعظيم منجزاتهم السابقة واعتبارها منجزات شخصية لا ينبغي التخلي عنها بأي حال من الأحوال والقتال دونها حتى تحقيق النصر .
لازلت أذكر كيف كانت تتلاعب بي الكاتبة العالمية أجاثا كريستي عندما كنت أقرأ لها نتيجة لعدم وجود خبرات سابقة مخزنة في العقل اللاواعي عن أبطال قصتها سوى ما تحاول هي إيهامنا به فتجدني أتهم كل أبطال قصتها بأنهم مجرمين كما تريد وفي نفس الوقت أعتقد أنهم أناس طيبين حسب إيحاءتها !! بينما المجرم شخص واحد ولكني لا أعرفه . لحظة … ما رأيكم لو حاولت قراءة صفحاتها الأخيرة أولاً وتعرفت من خلالها على شخصية القاتل ثم قمت بقراءة القصة من أولها ما الذي سيحدث معي ؟!! ألا تعتقدون بأنني سأصبح أسير عقلي الباطن الذي سينظم لي القصة بشكل صحيح ولما استطاعت كريستي خداعي طوال الوقت ولن أفقد سوى متعة إشباع الفضول . يحضرني أيضاً عند متابعتي للقنوات الحوارية وما يدور فيها من جدال أو حوار ونقاش ما يظهر للمتابع العادي من أن كلا المتحاورين يملك الدليل الأقوى على صحة ما يقول بينما الحقيقة أن كلاهما واقعين تحت تأثير العقل الباطن الذي يسيرهما كيف يشاء وفق برمجياته السابقة وليس لما يقال أي قيمة مقابل ما يؤمنون به من مسلمات وما يعتنقونه من معتقدات . وللتوضيح أكثر دعونا نضرب مثلاً بقناة المستقلة وما يدار فيها من حوار حول السنة والشيعة فنجد أحياناً لدى المحاور من الطائفة السنية حجج دامغة على بطلان معتقدات الطائفة الشيعية ورغم ذلك تنتهي الحلقة ولم يتزحزح أي منهما عن قناعاته قيد أنملة ، والسبب أن هؤلاء القوم أي الشيعة يلعبون كثيراً على وتر العقل اللاواعي فنجدهم يغرسون في أبنائهم منذو الصغر بعض المسلمات التي تعيق عقلهم الظاهر عن الاستنتاج الصحيح ، مثل أن السنة يناصبونهم العداء الشديد لذلك يسمونهم بالنواصب ، وأنهم يسفهون أحلامهم ويحاولون الطعن في دينهم وأنهم يكرهون آل البيت كرهاً شديداً ويستدلون على ذلك بتحريمهم للمولد النبوي وهذه خاصة بالوهابيين كما يسمونهم أو كما يسميهم الكثير !!!! كما يغرسون فيهم أن الصحابة والعياذ بالله يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك يبطُل أي استدلال بالسنة النبوية وكذلك يكون المجال خصب للاجتهاد في لي عنق النصوص . أذكر أنني في الجامعة تعرفت على أحد دعاة هذا المذهب الباطل الذي كان يجاورني في السكن الداخلي وكان تقربه مني تحت ذريعة أنني من آل البيت ( بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
لم تكن مجالسنا تخلو من النقاشات ومن ضمنها استشهاده ببعض الأحاديث التي وردت في صحيح البخاري ، فرحت بذلك فرحاً عظيماً لأن تصديقه لما جاء في الصحاح يسهل علي الأمر ويتيح لي الإستدل ببعض الأدلة التي توضح زيف معتقداتهم وعندما أتت الفرصة التي أنتظرتها كثيراً سقت له أحد هذه الأدلة ، لأفاجأ برده أنه لا يؤمن بكل ما ورد في صحيح البخاري . أوقعني هذا المعتوه في حيرة من أمري فكيف يستشهد بدليل من هذا الصحيح وعندما أفعل أنا نفس الشيء يرفضه ، قمت بنقل استغرابي الشديد له وطلبت إيضاح هذا التناقض تبسم ذلك الرجل وقال لي ( يحق لي ذلك لأنك تؤمن بصحة منقولات البخاري بينما لا يحق لك ذلك لأنني لا أؤمن بكل كتبكم فلنا مراجعنا التي نعتد بجميع ما ورد فيها ) . أعتقد أن مثل هذه الخبرة المخزنة في العقل الباطن وغيرها من الخبرات السلبية مثل أن علماء السنة يستخدمون الكذب على أئمتهم للتشكيك في دينهم وأن الكذب على أهل السنة من أقرب القربات وفيه النجاة فإذا قابلت أحدهم وعقله الباطن مسلح بكل هذه المعلومات التي تسير حديثك معه فهل تتوقع أن تقنعه بشيء مما لديك ؟!! لذلك يفضل جميع المدربين وفي كل المناشط الرياضية وغير الرياضية أن يتعاملوا مع العقول الخام أي التي لا تحوي أي خبرات سابقة تتعلق بالمادة التدريبية حتى يقومون هم بترتيب الخبرات الجديدة الترتيب الصحيح مما يحقق النجاح في الغالب وبذلك نستطيع أن نستنتج سبب تفوق الصغار على الكبار في التعلم . بينما في حال وجدت خبرات سابقة فلابد من التأكد من ماهيتها التي قد تتعارض كلياً أو جزئياً مع ما ننوي تعلمه فيكون لزاماً مسح هذه الخبرات أولاً واستبدالها بالخبرات الجديدة وعملية المسح هذه من الصعوبة بمكان كونها مخزنة في العقل الباطن الذي يصعب كثيراً مسح محتوياته بعكس العقل الواعي الذي تستطيع أن تغذيه وتزيل هذه التغذية أكثر من مرة في موقف واحد وللدلالة على ما أقول تصور أنك قابلت رجل لا يدخن ولا يعرف أي شيء عن التدخين ولم يرى الدخان في حياته هل تتصور أن هناك أي صعوبة في إقناعه بأضرار التدخين ؟!! أعتقد أنكم تتفقون معي على أن الأمر لن يستغرق أكثر من عشر دقائق يصبح بعدها من أشد أعداء التدخين بينما لو كان هذا الرجل مدخن ماذا سيحدث ؟ ربما يستغرق هذا الأمر شهوراً للوصول للقناعة المفضية للعمل وفي النهاية قد يرجع في أي لحظة والسبب ليس كما يعتقد الكثيرون من وجود مادة النيكوتين في الدم ( رغم أنها سبب من الأسباب ) بل السبب الرئيسي هو عقله الباطن الذي لديه خزن استراتيجي يعاكس كل ما تقول به ، بعد أن تكونت خبرات سابقة ثم الربط فيها بين التفكير والتدخين وكذلك بينه وبين كثير من العادات ، مثل علاقته بإنقاص الوزن ، يساند كل ذلك أفكار شيطانية يبثه العقل الباطن مثل أن أعمار أمة محمد في الستين وأن تأثير التدخين بعيد المدى ليصل معه لحسبة بسيطة يستنتج من خلالها إنه ميت كأقصى حد في هذه السن بالتدخين وبدونه فلما ترك كل هذه المتعة ؟!! وخلاصة القول إن الفشل سيكون حليفنا إذا لم نحاول إزالة الخبرات السابقة المعطلة للاستنتاج والفهم والمقاومة وتلمس العبر وحذف كل الخبرات السابقة التي تقنعنا بأننا فاشلون وتضع الكثير من المعوقات التي توقفنا في منتصف الطريق من العقل الباطن أولاً قبل السعي لإقناع شخص ما بما نريد وبقدر سيطرتنا على عقلنا اللاواعي بقدر ما تكون ابداعاتنا فالمبدعين يثقون في قدراتهم ويترسخ في عقلهم الباطن أنهم قادرون على فعل الكثير بما يمتلكونه من ملكات ابداعية تحقق لهم ما يصبون إليه من نجاحات وتعينهم في التغلب على كثير من الصعاب التي تواجههم . ونعود مجدداً للحوارات والنقاشات فنحاول ربطها بكل ما قيل عن العقل الباطن سنجد أن العقل الباطن يحرك المتحاورين ويسيرهم في الغالب دون شعور منهم بما يحدث وفق برمجته العصبية القديمة المبنية على بعض الخبرات السابقة فنجد أن العقل الباطن ينتصر في النهاية بإغلاق باب الحوار دون أي تغير في المواقف لكليهما لذلك نجد أصحاب بعض الدعوات الفاسدة مثل العلمانيين والمرجئة والتكفيريين والصوفية وخلافه من الفرق الضالة نجدهم يسعون في البداية إلى وضع تصنيفات لمخالفيهم ، يركزون من خلالها على تغذية العقول بالأوصاف التي يحددونها لهم والشاهد على ذلك ظهور بعض التصنيفات الجديدة لأصحاب المنهج السلفي فيسمون بالوهابية والأصولية والجهادية حتى يصبح مجرد ذكر أي منها حافزاً للعقل الباطن كي يستحضر كثير من الأوصاف التي ألصقت بهم كالتكفير والتشدد والتنطع ولي عنق النصوص تحقيقاً لذلك والتبديع … وخلافه . وأيضاً هناك خبرة سيئة جداً تتحكم في هكذا نقاشات وهي النظرة لكل عالم يمثل هذه الفئة أو تلك فنجد المتحاورون يجتهدون في البداية في الوصول لتصنيف معين لمن يحاورهم ثم يطلقون لعقلهم الباطن العنان في طريقة التعامل معه وكيفية دحض حججه وللتأكد من ذلك عليكم مراقبة أي قضية حوارية ستجدون أن الأمر قد يصل بينهما إلى الاستدلال بنفس الدليل كلٌ حسب فهمه أو حسب قراءته للنص تحت تأثير العقل الباطن وقد يصل الأمر إلى وقوع البعض ممن يُعتد بأقوالهم وبفكرهم في أخطاء لا يقع فيها أصغر المتعلمين . وقد تستغرب أن أحدهم لا يحسن القراءة وكل تلك الاستنتاجات بالطبع خاطئة ولكن سيطرة العقل الباطن هي من أظهرت كل هذه الأخطاء الغير معقولة والغير متوقعة .
ا ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________ لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي
| |
|