دراسة تحليلية ونقدية لنص الأستاذة زهيرة بن عبد المومن،
بعنوان " جواب " بقلم الدكتور محمد أبو قرون / قطر
المستشار الأدبي لديلي جراف عربية و كاتب وناقد .
الاستاذة زهيرة بن عبد المومن
في نصك الذي يحمل عبق الصدق والصفاء، نجد رحلة فلسفية تأملية تأخذنا بين ثنايا الجمال الداخلي والبحث عن السلام وسط عواصف الحياة. تبرز في كلماتك مسألة السكنى في الجمال، ليس كفكرة سطحية، بل كحالة وجودية تشرق فيها الأنفس التي تتسم بالخير والصفاء، فتضيء الأماكن التي تحل فيها كما يسطع نور الحق.
إن طرحك لفكرة الصمت والوحدة باعتبارهما رفيقين في مواجهة الخذلان يعكس تفكيرًا عميقًا في مفاهيم الوجود الإنساني، وكيف أن الصمت قد يصبح ملاذًا من ضجيج الخيبات. فلسفيًا، يتقاطع هذا الطرح مع تأملات الفلاسفة في فكرة الصمت كوسيلة للسلام الداخلي ورفض الانغماس في تجارب تهدم الذات. يتجلى في هذه الكلمات صراع الإنسان بين الوحدة والخذلان، وهو صراع يتكرر في الأدب العالمي، حيث نجد أبطال الروايات والشعراء يتحدثون عن الصمت كخيار للارتقاء فوق آلام الحياة.
نصك يعيد لنا تلك التساؤلات الوجودية حول العلاقة بين العطاء والألم، وكيف أننا في عالم تتزاحم فيه الخيبات، لا نزال نتمسك بالأمل والتفاؤل، ونتجاوز الخذلان بالكرم والجود. هنا يتضح مفهوم العطاء اللامحدود، الذي تقدمه دون حسبان، وكأن العطاء هو المبدأ الذي يتمسك به الإنسان حتى في أكثر لحظاته ضعفًا. إن هذا المفهوم ينقل النص إلى أبعاد تتجاوز الذات، وتجعله رسالة إنسانية تعكس الروح العربية التي لطالما عرفت بالسخاء والعطاء.
من ناحية النقد الأدبي، نجد في النص أسلوبًا سلسًا ومباشرًا، يعتمد على تعابير تجمع بين العفوية والعمق. استخدامك للرمزية في "بناء بيت في القلب" و"الطلال" يعكس تلاعبًا شعريًا بالصور التي ترتبط بالحياة والماضي، في حين يأتي البناء المتراكم للجمل ليعزز من شعور الحركة المستمرة نحو الأمام، رغم الخذلان والألم. هذه الصور الشعرية تُدخل النص في عالم من المشاعر المتداخلة، حيث يمزج بين الفلسفة والواقعية بأسلوب بسيط ولكنه مؤثر.
إلى جانب ذلك، نجد في نصك توظيفًا دقيقًا للصمت كرمز للسلام الداخلي، والوحدة كملاذ من الخيبات، وهي ثيمات تقليدية في الأدب العربي، ولكنك تضيفين لها بُعدًا عصريًا، حيث يصبح الصمت والوحدة وسائل للتأمل والتجديد بدلاً من الانعزال السلبي. وفي الوقت ذاته، يأتي العتاب في النص كمحاولة أخيرة لتصحيح الخطأ، لكنه في النهاية يعلن استسلامه أمام الحقيقة بأن العتاب قد لا ينفع في كثير من الأحيان، مما يخلق تساؤلاً حول جدوى التمسك بالماضي وأهمية السلام الداخلي.
في مآلات الأدب العربي الحديث، يمكن أن نرى كيف يساهم نصك في تشكيل لغة أدبية تمزج بين التجربة الذاتية والموروث الثقافي. إنه نص يعكس روح العصر الذي نعيشه، حيث يجد الأدباء أنفسهم في مواجهة بين القيم القديمة والتحديات الحديثة. تعبرين في نصك عن هذه الحالة بوضوح، وتجعلين من الصمت والوحدة فلسفة جديدة في التعامل مع العالم. يتيح هذا النوع من النصوص الفرصة للأدب العربي الحديث للتوسع في معالجته لمفاهيم الذات والآخر والعلاقة بين الإنسان والزمان والمكان.
تتجلى في نصك الرقة الأدبية والبلاغة اللغوية التي تحمل القارئ إلى عالم مليء بالتأملات والاعترافات الإنسانية العميقة. أسلوبك المتميز في طرح الأسئلة والبحث عن الإجابات يجعل من النص حوارًا داخليًا يلامس كل قارئ، ويحفزه على إعادة التفكير في تجاربه الحياتية. بهذه الطريقة، يُسهم نصك في دفع الأدب العربي إلى مساحة جديدة، حيث يلتقي الشعر بالفلسفة، وتتحول الكلمات إلى جسور تربط بين الإنسان وتجربته الداخلية.
لك مني كل الاحترام والتقدير على هذا النص العميق والملهم، الذي يجعلنا نغوص في عوالم الذات الإنسانية، ويحثنا على التفكير في معنى الجمال والعطاء والصمت في حياتنا.
الدكتور محمد آدم أبوقرون
كاتب وناقد
-------------------------------جواب ..
من يسكنه الجمال ..
نوره يسطع
ليعم الضياء كل مكان
الاخيار اينما وجدوا ..
بلسم جراح ..
واستقرار وأمان
نتخذ الصمت رفيقا ..
نجعل من الوحدة
صديقة درب
حين نلقى الخذلان..
نتمسك بالأمل .. و التفاءل
نمضي قدما لا نتلفت وراء
لا نتحصر على ماض ..
أصبح مجرد أطلالا ..
من بنى لنا
مكان عز في قلبه
بنينا له بيت ود
واحترام ..
تعلمنا العطاء
بدون حسبان
كرم وجود ..
عهد و تضحية ..
توارثناها أجيال ..
لم يعد العتاب ينفع .
فسلام على من اخطأنا فيهم العنوان
زهيرة بن عبد المومن
ْ
________*التــَّـوْقـْـيـعُ*_________
لا أحد يظن أن العظماء تعساء إلا العظماء أنفسهم. إدوارد ينج: شاعر إنجليزي